الكاف والضميران للكفار ، المعنى : أحسبوا أن نجعلهم في الآخرة في خير كالمؤمنين أي في رغد من العيش مساو لعيشهم في الدنيا حيث قالوا للمؤمنين : لئن بعثنا لنعطي من الخير مثل ما تعطون ، قال تعالى على وفق إنكار بالهمزة (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (٢١) أي ليس الأمر كذلك فهم في الآخرة في العذاب ، على خلاف عيشهم في الدنيا ، والمؤمنون في الآخرة في الثواب بعملهم الصالحات في الدنيا ، من الصلاة والزكاة والصيام وغير ذلك ، وما مصدرية أي بئس حكما حكمهم هذا (وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَ) خلق (الْأَرْضَ بِالْحَقِ) متعلق بخلق ليدل على قدرته ووحدانيته (وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) من المعاصي والطاعات ، فلا يساوي الكافر المؤمن (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٢٢) (أَفَرَأَيْتَ) أخبرني (مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) ما يهواه من حجر بعد حجر يراه أحسن
____________________________________
(والجملة) أي من المبتدأ والخبر. قوله : (بدل من الكاف) أي الداخلة على الموصول. قوله : (أي ليس الأمر كذلك) أشار بذلك إلى أن همزة الإنكار للنفي ، وكان المناسب للمفسر تقديم هذا على قوله : (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) فإنه مرتبط بما قبله ، والمعنى : أم حسبوا أن نجعلهم كائنين مثلهم مستويا ، محياهم ومماتهم؟ كلا لا يستوون في شيء منها ، فإن هؤلاء في عز الإيمان والطاعة ، وشرفهما في المحيا ، وفي رحمة الله ورضوانه في الممات ، وأولئك في ظل الكفر والمعاصي ، وهو أنهما في المحيا ، وفي لعنة الله والعذاب المخلد في الممات ، ولا يعتبر توسعة العيش في الدنيا ، فإنها بحسب القسمة الأزلية ، للمؤمن والكافر ولكل دابة. قوله : (أي بئس حكما) إلخ ، مقتضى هذا الحل أن (ما) مميزة ، وحينئذ فالفاعل مستتر ، وهو ينافي كونها مصدرية ، لأنها في تلك الحالة تكون فاعلا ، فالمناسب لجعلها مصدرية أن يقول : ساء الحكم حكمهم.
قوله : (وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ) إلخ ، من تتمة قوله : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ) إلخ وهو كالدليل له ، كأنه قال : لا يستوي المؤمن والكافر ، بدليل أن الله خلق السماوات والأرض بالحق ، أي للعبر والاستدلال ، ولم يترك العباد سدى ، وجازى كل نفس بما كسبت ، فلا يستوي جزاء المؤمن بجزاء الكافر. قوله : (متعلق بخلق) أي على أنه حال من الفاعل أو المفعول. قوله : (ليدل على قدرته) إلخ ، قدره إشارة إلى أن قوله : (وَلِتُجْزى) عطف على علة محذوفة. قوله : (وَهُمْ) أي النفوس المدلول عليها بقوله : (كُلُّ نَفْسٍ.) قوله : (لا يُظْلَمُونَ) أي لا ينقص من ثواب المؤمن ، ولا يزاد في العذاب على ما يستحقه الكافر. قوله : (أخبرني) تقدم أن فيه مجازين ، حيث أطلق الرؤية وأراد الإخبار ، ثم أطلق الاستفهام على الإخبار وأراد الأمر به ، وقوله : (مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ) إلخ ، مفعول أول لرأيت ، والمعنى : ترك متابعة الهدى إلى مطاوعة الهوى ، فكأنه يعبده. قوله : (من حجر) أي وغيره كالشمس والقمر من كل معبود غير الله ، عاقلا أو غير عاقل ، فالكفر هو العبادة ، بأن يتقرب إلى غيره كما يتقرب إليه ، وأما زيارة الصالحين والأنبياء ، فليس من قبيل العبادة لهم ، بل هي من باب التسبب في نفع الغير ، لأن الترضي عن الأولياء ، والصلاة والسّلام على الأنبياء ، دعا للغير بذلك ، ولا شك أن ذلك الغير ينتفع به ، والمتسبب له مثله ، لما ورد : أن الملك يقول له ولك مثل ذلك ، فآل الأمر إلى أن زيارة الصالحين والتوسل بهم ، من جملة طاعة الله ، وصاحبها محبوب لله ، لأن أحب عباد الله إلى الله أنفعهم لعباده ، وصدق عليهم أنهم يصلون ما أمر الله به أن يوصل ، فليست معصية فضلا عن كونها شركا ، كما اعتقده ذوو الجهل المركب والعقيدة