ينتظرون أى كفار مكة (إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ) بدل اشتمال من الساعة ، أي ليس الأمر إلا أن تأتيهم (بَغْتَةً) فجأة (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) علاماتها ، منها بعثة النبي صلىاللهعليهوسلم ، وانشقاق القمر ، والدخان (فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ) الساعة (ذِكْراهُمْ) (١٨) تذكرهم؟ أي لا ينفعهم (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) أي دم يا محمد على علمك بذلك النافع في القيامة (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) لأجله ، قيل له ذلك مع عصمته لتستن به أمته ، وقد فعله ، قال صلىاللهعليهوسلم : «إني لأستغفر الله في كل يوم مائة
____________________________________
قوله : (أن تأتيهم) (بَغْتَةً) أي فقد قرب قيامها.
قوله : (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) كالعلة لقوله : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ) الخ ، لأن ظهور أشراط الشيء موجب لانتظاره ، ورد عن حذيفة والبراء بن عازب : «كنا نتذاكر الساعة ، إذ أشرف علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : ما تتذاكرون؟ قلنا نتذاكر الساعة ، قال : إنها لا تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات : الدخان ، ودابة الأرض ، وخسفا بالمشرق ، وخسفا بالمغرب ، وخسفا بجزيرة العرب ، والدجال ، وطلوع الشمس من مغربها ، ويأجوج ومأجوج ، ونزول عيسى ، ونارا تخرج من عدن» انتهى. قوله : (منها بعثة النبي) الخ ، أي من علاماتها الصغرى بعثة النبي صلىاللهعليهوسلم وقد حصل بالفعل ، وأما العلامات الكبرى فستأتي ، وإنما عبر عن الجميع بالماضي لتحقق الوقوع ، على حد : أتى أمر الله. قوله : (فَأَنَّى لَهُمْ) خبر مقدم ، و (ذِكْراهُمْ) مبتدأ مؤخر ، و (إِذا) وما بعدها معترض ، وجوابها محذوف دل عليه ما قبله ، والمعنى : كيف لهم التذكر إذا جاءتهم الساعة فكيف يتذكرون؟
قوله : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) مرتب على ما قبله ، كأنه قال : إذا علمت أنه لا ينفع التذكر إذا حضرت الساعة ، فدم على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية ، فإنه النافع يوم القيامة ، وعبر بالعلم إشارة إلى أن غيره لا يكفي في التوحيد ، كالظن والشك والوهم ؛ واعلم أن العلم مراتب : الأولى : العلم بالدليل ولو جمليا ، ويسمى علم يقين ، وهذا هو المطلوب في التوحيد الذي يخرج به المكلف من ورطة التقليد ، وهو الجزم من غير دليل وفيه خلاف. الثانية : العلم مع مراقبة الله ، ويسمى عين يقين. الثالثة : العلم مع المشاهدة ، ويسمى حق يقين ؛ وفي هذه المراتب فليتنافس المتنافسون. قوله : (أي دم يا محمد) الخ ، أي فالخطاب له صلىاللهعليهوسلم ، بل ولكل مؤمن ، وقوله : (على علمك بذلك) أي بأن لا إله إلا الله ، أي لا معبود بحق إلا الله. قوله : (النافع في القيامة) أي لما ورد : «من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة». قوله : (لتستن به أمته) أي تقتدي به ، وهذا أحد أوجه في تأويل الآية وهو أحسنها ، وقيل معناه : اسأل الله العصمة من الذنوب ، ومن المعلوم أن دعاءه مستجاب ، ففي استغفاره تحدث بنعمة الله عليه ، وهي عصمته من الذنوب ، وتعليم للأمة أن يقتدوا به ، وقيل : المراد بذنبه خلاف الأولى ، مثل ما وقع منه في أسارى بدر ، وفي إذنه للمنافقين بالتخلف عن الجهاد ، فهو ذنب بحسب مقامه ورتبته ، وقيل المراد بذنبه ذنب أهل بيته ففي هذه الآية بشرى للأمة حيث أمر صلىاللهعليهوسلم أن يستغفر لذنوبهم وهو الشفيع المجاب فيهم. قوله : (وقد فعله) أي الاستغفار لذنبه وللمؤمنين والمؤمنات ، ورد في الحديث : «إنه ليغان على قلبي ، حتى استغفر الله في اليوم مائة مرة». وفي رواية : «توبوا إلى ربكم ، فو الله إني لأتوب إلى ربي عزوجل في اليوم مائة مرة». وفي رواية : «إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة». وفي رواية أكثر من ذلك ، قوله في الحديث : «إنه ليغان على قلبي» الغين التغطية والستر ، ويسمى به الغيم الرقيق الذي