أكثرها ، بل الزائد من واحد منها ، لزم أن يقال إنّه عوقب بتعداد الواجبات الكفائيّة ؛ لأنّه لو اشتغل بواحد منها كان معذورا من البقيّة ، وحيث لم يشتغل كان قادرا بالنسبة إلى كلّ واحد منها ، فيعاقب على تركها. ومن المعلوم أنّ الالتزام بذلك خلاف ما عليه ارتكاز العقلاء في العقوبات لعدم القدرة على جميعها وإن قدر عليها بنحو العموم البدلي.
حكي عن المحقّق النائيني قدسسره أنّه قال : إنّ العقاب الثاني ليس على عدم الجمع بين الضدّين حتّى يقال إنّه غير مقدور ، بل العقاب على الجمع بين المعصيتين ، وقد كان مقدورا للمكلّف أن لا يجمع بين المعصيتين فيما لو جاء بالأهمّ (١).
وحسّنه ومحّصه الشهيد الصدر قدسسره حيث قال : إنّ الميزان في صحّة العقاب أن يكون التخلّص من المخالفة مقدورا للمكلّف ، وأمّا أن يكون الفعل والامتثال مقدورا فهو شرط في معقوليّة التكليف وعدم لغويته.
ومن الواضح أنّه في المقام يكون التخلّص من مخالفة التكليفين بالأهمّ والمهمّ بنحو الترتّب مقدورا للمكلّف وإن لم يكن امتثالهما معا مقدورا له ، فيكون تعدّد العقاب في محلّه.
نعم ، يشترط في تحقّق المعصية عندنا أن يكون مخالفا للتكليف المولويّ بنحو يؤدّي إلى تفويت الملاك عليه ، لا مجرّد مخالفة الخطاب المولويّ. وعليه ، فلو كان الخطابان الترتبيّان فعليّين من حيث الملاك ، أي لم يكن الاشتغال بأحدهما رافعا للآخر ملاكا فلا يستحقّ المكلّف أكثر من عقاب واحد ، لأنّه لم يفوّت باختياره إلّا ملاكا واحدا ، وأمّا الملاك الآخر فقد كان فائتا عليه لا محالة. فلا بدّ من التفصيل بين الحالتين.
__________________
(١) بحوث في علم الاصول : ج ٢ ص ٣٦٢.