ضرورة أن حجية الظن عقلا ـ على تقرير الحكومة في حال الانسداد ـ لا توجب صحتهما ، فلو فرض صحتهما شرعا مع الشك في التعبد به لما كان يجدي في الحجية شيئا ما لم يترتب عليه ما ذكر من آثارها ، ومعه لما كان يضر عدم صحتهما أصلا ، كما أشرنا إليه آنفا.
______________________________________________________
والافتراء ما لم يكن مظهرا للبناء والتزامه قولا ، ويتحقق بعد إظهاره بالقول كذلك ما لم يكن في الخارج فعل خارجي مظهر لبنائه لا يعدّ تشريعا وافتراء عملا نظير الإخبار عن الشيء بالفعل ، فالفعل المأتي به بالبناء والقصد المزبور يكون من الافتراء والكذب على الله قولا ، وعنوان الافتراء عليه محكوم بالحرمة بالكتاب المجيد والروايات ، والمناقشة في الاستدلال على حرمته بقوله سبحانه (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ)(١) وبما ورد من الروايات الدالّة على حرمة الافتراء ضعيفة ، ولا يخفى أنّ من الثمرة المترتبة على القول بأنّ المجعول في باب اعتبار الأمارة اعتبارها علما ، وبين القول بأنّ المجعول لها الحجية انحصار اعتبارها على موارد التكاليف والأحكام الشرعية على الثاني فإنّه لا يعقل جعل التنجيز والتقدير لها إلّا في تلك الموارد ، وأما الأمارة القائمة بعوالم القبر والآخرة وغيرها من الامور الراجعة إلى العقائد ونحوها فلا يعقل فيها التنجيز والتعذير ، وكذا الحال بناء على أنّ معنى اعتبارها جعل مؤدّاها حكما شرعيا طريقيا ، وأما بناء على اعتبارها علما فلا ينحصر اعتبارها على موارد الأحكام وموضوعاتها ، بل يعمّ غيرها فتكون نتيجة الاعتبار في الموارد المشار اليها جواز الإخبار بها حيث بقيام خبر الثقة بذلك الأمر يثبت العلم به ويترتب على العلم به جواز الإخبار به للغير.
__________________
(١) سورة يونس : الآية ٥٩.