استخلفه عند توجّهه إلى الطور إذ قال له ( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ) (١).
« إعلم بصّرك الله تعالى بخفايا الأسرار وغوامض الحكم : إنّ رسول الله لمّا وصف عليّاً بكونه منه بمنزلة هارون من موسى ، فلابدّ في كشف سرّه من بيان المنزلة التي كانت لهارون من موسى عليهماالسلام ، فأقول : قد نطق القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بأنّ موسى دعا ربّه عزّ وجلّ : ( وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) وإنّ الله أجابه إلى مسئوله ، وأجناه من شجرة ثمرة سؤله ، فقال عزّ وجلّ : ( قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى ) وقال في سورة أخرى : ( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً ) وقال في سورة أخرى : ( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ).
فظهر أنّ منزلة هارون من موسى كونه وزيراً له ، والوزير مشتق من أحد معانٍ ثلاثة : أحدها الوزر بكسر الواو وإسكان الزاي وهو الثقل لكونه وزيراً له يحمل عنه أثقاله ويخفّفها عنه : والمعنى الثاني من الوزر بفتح الواو والزاء وهو المرجع والملجأ ومنه قوله تعالى ( كَلاَّ لا وَزَرَ ) فكأن الوزير مرجوع إلى رأيه ومعرفته وإسعاده ويلجأ إليه في الإستعانة به. والمعنى الثالث : من الازر وهو الظهر ، ومنه قوله تعالى عن موسى ( اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ) فيحصل بالوزير قوّة الأمر واشتداد الظهر ، كما يقوى البدن ويشتد به ، فكان من منزلة هارون من موسى أنّه يشدّ أزره ويعاضده ويحمل عنه من أثقال بني إسرائيل بقدر ما تصل إليه يد مكنته واستطاعته هذه من كونه وزيره : وأمّا من كونه شريكه في أمره ، فكان شريكه في النبوّة على ما نطق به القرآن الكريم ، وكان قد استخلفه على بني إسرائيل عند
__________________
(١) الصواعق المحرقة : ٢٩.