ومنهم رسول رب العالمين ، وإمام الأوّلين والآخرين ، ونجيب المرسلين ، وخاتم النبيّين ، الذي لم يتم لنبيّ نبوة إلاّبعد التصديق به ، والبشارة بمجيئه ، الذي عمّ برسالته مابين الخافقين ، وأظهره الله على الدين كلّه ولو كره المشركون » (١).
قال القاضي عبد الجبار في ( المغني ) : « قوله : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، لا يتناول إلاّمنزلةً ثابتةً منه ، ولا يدخل تحته منزلة مقدّرة ، لأنّ المقدّر ليس بحاصل ، ولا يجوز أن يكون منزلة ، لأن وصفة بأنّه منزلة يقتضي حصوله على وجه مخصوص ، ولا فرق في المقدّر بين أنْ يكون من الباب الذي كان يجب لا محالة على الوجه الذي قدر أو لا يجب في أنّه لا يدخل تحت الكلام.
ويبيّن صحة ذلك أن قوله : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، يقتضي منزلةً لهارون من موسى معروفة ليست بها منزلته ، فكيف يصحّ أن يدخل في ذلك المقدَّر ، وكقول القائل : حقّك عليَّ مثل حقّ فلان على فلان ، ودينك عندي مثل دين فلان ، إلى ما شاكل ذلك ، في أنّه لا يتناول إلاّ أمراً معروفاً حاصلاً.
وإذا ثبت ذلك ، فلنا أنْ ننظر ، فإنْ كانت منزلة هارون من موسى معروفة حملنا الكلام عليها ، وإلاّ وجب التوقّف ، كما يجب مثله فيما مثّلناه من الحق والدين ، ويجب أنْ ننظر ، إنْ كان الكلام يقتضي الشمول حملناه عليه ، وإلاّ وجب التوقّف عليه ، ولا يجوز أنْ يدخل تحت الكلام ما لم يحصل لهارون من المنزلة ألبتة.
وقد علمنا أنه لم يحصل له الخلافة بعده ، فيجب أنْ لا يدخل ذلك تحت
__________________
(١) زهر الآداب وثمر الألباب ١ / ٩٥ ـ ٩٧.