واعترض عليه ابن الحاجب : بأن الأول سبب والثاني مسبّب ، وانتفاء السبب لا يدل على انتفاء المسبب ، لجواز أن يكون للشيء أسباب متعددة ، بل الأمر بالعكس ، لأن انتفاء المسبب يدل على انتفاء جميع أسبابه ، فهي لامتناع الأول لامتناع الثاني. ألا ترى أنّ قوله تعالى ( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا ) إنما سيق ليستدل بامتناع الفساد على امتناع تعدّد آلهة ، دون العكس.
واستحسن المتأخرون رأي ابن الحاجب ، حتى كادوا يجمعون على أنها لامتناع الأول لا متناع الثاني ، إمّا لما ذكروه ، وإمّا لأن الأول ملزوم والثاني لازم ، وانتفاء اللازم يوجب انتفاء الملزوم من غير عكس ، لجواز أن يكون اللازم أعم.
وأنا أقول : منشأ هذا الإعتراض قلّة التأمّل ، لأنه ليس معنى قولهم : لو لا متناع الثاني لامتناع الأول ، أنه يستدل بامتناع الأول على امتناع الثاني ، حتى يرد عليه أن انتفاء السبب أو الملزوم يوجب انتفاء المسبب أو اللازم ، بل معناه إنها للدلالة على أن انتفاء الثاني في الخارج إنما هو بسبب إنتفاء الأول ، فمعنى : ( لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ ) أن انتفاء الهداية إنما هو بسبب انتفاء المشيّة ، يعني إنها تستعمل للدلالة على أن علة إنتفاء مضمون الجزاء في الخارج هي إنتفاء مضمون الشرط ، من غير إلتفات إلى أن علّة العلم بانتفاء الجزاء ما هي ... » (١).
ثم إنّ القوم لقصر باعهم في علم الكلام ، لم يقفوا على كلام السيد المرتضى علم الهدى رضياللهعنه في جواب هذه الشبهة ... فإنه رحمهالله قال
__________________
(١) المختصر في شرح التلخيص : ٩٤. وانظر المطوّل : ١٦٦ ـ ١٦٧.