أردت أن أترك له ما يدعيه ، إنّما خفت أن يكون الباعث لي على ذلك الكبر والأنفة من الحضور إلى مجلس الشريعة ، فحضرت ثمّ وهبته ما يدّعيه.
وبنى دار العدل في بلاده ، وكان يجلس هو والقاضي فيها ينصف المظلوم ، ولو أنّه يهودي من الظالم ، ولو أنّه ولده أو أكبر أمير عنده ...
وكان يكرم العلماء وأهل الدّين ويعظّمهم ويقوم إليهم ويجلسهم معه وينبسط معهم ولا يردّ لهم قولاً ويكاتبهم بخطّ يده ، وكان وقوراً مهيباً مع تواضعه.
وبالجملة ، فحسناته كثيرة ومناقبه غزيرة لا يحتملها هذا الكتاب » (١).
وقال الذهبي : « السلطان نور الدّين الملك العادل أبو القاسم محمود بن أتابك زنكي بن أقسنقر ، تملّك حلب بعد أبيه ، ثمّ أخذ دمشق فملكها عشرين سنة ، وكان مولده في شوّال سنة إحدى عشرة وخمسمائة ، وكان أجلّ ملوك زمانه وأعدلهم وأدينهم وأكثرهم جهاداً وأسعدهم في دنياه وآخرته ، هزم الفرنج غير مرّة وأخافهم وجرّعهم المِدّ.
وفي الجملة ، محاسنه أبين من الشمس وأحسن من القمر ، وكان أسمر طويلاً ، مليحاً تركي اللحية ، نقيّ الخدّ ، شديد المهابة ، حسن التّواضع ، طاهر اللّسان ، كامل العقل والرّأي ، سليماً من التّكبّر ، خائفاً من الله ، قلّ أن يوجد في الصّلحاء الكبار مثله ، فضلاً عن الملوك ، ختم الله له بالشهادة ونوّله الحسنى إن شاء الله وزيادة ، فمات بالخوانيق في حادي عشر شوّال » (٢).
__________________
(١) الكامل لابن الأثير ـ حوادث ٥٦٩.
(٢) العبر في خبر من غبر ـ حوادث ٥٦٩.