أقول :
وعلى فرض كون الحديث الشريف من باب الاستعارة ، فإنّ دلالته على المساواة تكون آكد وأبلغ ، قال التفتازاني :
« فصل ـ أطبق البلغاء على أنّ المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتصريح ، لأنّ الانتقال فيهما [ من الملزوم إلى اللازم ، فهو كدعوى الشيء ببينة ] فإنّ وجود الملزوم يقتضي وجود اللازم ، لامتناع انفكاك الملزوم عن لازمه [ و ] أطبقوا أيضاً على [ أنّ الاستعارة ] التحقيقيّة والتمثيليّة [ أبلغ من التشبيه ، لأنّها نوع من المجاز ] وقد علم أنّ المجاز أبلغ من الحقيقة ، وليس معنى كون كلٍ من المجاز والكناية أبلغ ، أنّ شيئاً منهما يوجب أنْ يحصل في الواقع زيادة في المعنى لا توجد في الحقيقة والتصريح ، بل المراد أنّه يفيد زيادة تأكيد للإثبات ، ويفهم من الاستعارة أنّ الوصف في المشبّه بالغ حدّ الكمال كما في المشبّه به ، وليس بقاصر فيه كما يفهم من التشبيه ، والمعنى لا يتغيّر حاله في نفسه ، بأنْ يعبّر عنه بعبارةً أبلغ.
وهذا مراد عبدالقاهر بقوله : ليست مزيّة قولنا : رأيت أسداً ، على قولنا : رأيت رجلاً هو والأسد سواء في الشجاعة : أنّ الأوّل أفاد زيادة في مساواته الأسد في الشجاعة لم يفدها الثاني ، بل الفضيلة هي : أنّ الأوّل أفاد تأكيداً لإثبات تلك المساواة له لم يفده الثاني. والله أعلم » (١).
فظهر أنّ « التشبيه » و « الاستعارة » كليهما يفيدان المساواة بين المشبّه والمشبّه به ، إلاّ أنّ في « الاستعارة » زيادة تأكيد لإثبات المساواة ، فلها مزيّة
__________________
(١) المختصر في شرح تلخيص المفتاح : ١٨٦.