حيث أنها تقصر عن البيان إلاّبالنية ، والبيان بالكلام هو المراد ، فظهر هنا التفاوت فيما يدرأ بالشبهات ، وصار جنس الكنايات بمنزلة الضرورات ، ولهذا قلنا : إنّ حدّ القذف لا يجب إلاّبتصريح الزنا ، حتّى أنّ من قذف رجلاً بالزنا ، فقال له آخر : صدقت ، لم يحدّ المصدق ، وكذلك إذا قال : لست بزانٍ ، يريد التعريض بالمخاطب ، لم يحدّ ، وكذلك في كلّ تعريض ، لما قلنا ، بخلاف من قذف رجلاً بالزنا ، فقال الآخر : هو كما قلت ، حدّ هذا الرجل ، وكان بمنزلة الصريح ، لما عرف في كتاب الحدود » (١).
فقال شارحه عبدالعزيز بن أحمد البخاري :
« قوله : وكان بمنزلة الصريح لما عرف. قال شمس الأئمّة في قوله : « هو كما قلت » إنّ كاف التشبيه توجب العموم عندنا في المحلّ الّذي يحتمله ، ولهذا قلنا في قول علي رضياللهعنه : ـ إنّما أعطيناهم الذمّة وبذلوا الجزية ، ليكون أموالهم كأموالنا ، ودماؤهم كدمائنا ـ إنّه مجريّ على العموم فيما يندرء بالشبهات كالحدود ، وما ثبت بالشبهات كالأموال ، فهذه الكاف أيضاً موجبة العموم ، لأنّه حصل في محلٍّ يحتمله ، فيكون نسبةً له إلى الزنا قطعاً ، بمنزلة الكلام الأوّل على ما هو موجب العام عندنا » (٢).
وعلى هذا الأساس ، يكون تشبيه الإمام عليهالسلام بهؤلاء الأنبياء في صفاتهم ، محمولاً على العموم ، وذلك يثبت المساواة بالضرورة.
وإذا نُزّل شيء منزلة شيء ترتَّبت أحكام المنزَّل عليه على المنزَّل ، ولزمت المساواة بينهما ، ولهذا الّذي ذكرنا موارد كثيرة في الكتب العلميّة ، قال
__________________
(١) أصول الفقه.
(٢) كشف الأسرار في شرح أصول الفقه ٢ / ٣٨٩ ـ ٣٩١.