القدرة وعدم جواز تفويتها لا يتوقف على فعلية وجوب ما يجب حفظ القدرة له ، على ما تقدم تفصيله في المقدمات المفوتة. وكذا لافرق بين ان يكون الغير المشروط بالقدرة الشرعية أهم مما يكون مشروطا بها ، أو مساويا له ، أو أضعف منه ، لأنه على جميع التقادير يكون معجزا مولويا ، اما بنفسه ، واما بخطاب لزوم حفظ القدرة له ، فأي واجب فرض يكون مقدما على الحج مثلا عند المزاحمة ، سواء كان أهم من الحج أو أضعف ، وسواء كان وجوبه فعليا ، أو مشروطا بشرط يتحقق بعد ذلك. كل ذلك لمكان عدم اشتراط ذلك الواجب بالقدرة الشرعية.
ثم إن في المقام اشكالا ربما يختلج في البال ، وحاصله : انه لا طريق لنا إلى معرفة تقييد المتعلق بالقدرة شرعا وعدم تقييده ، لأنه في غير المقام لو شك في التقييد وعدمه فالاطلاق يدفعه ، واما في المقام فلا سبيل إلى دفع احتمال التقييد باطلاق الخطاب.
اما أولا : فلما عرفت من أن كل خطاب بنفسه يقتضى القدرة على متعلقه ، لان حقيقة الخطاب ليس الا ترجيح أحد طرفي المقدور ، فاعتبار القدرة على المتعلق وتقييده بها انما يكون من مقتضيات نفس الخطاب ، بناء على ما هو الحق عندنا من أن المدرك في اعتبار القدرة انما هو اقتضاء الخطاب ذلك ، لا مجرد حكم العقل بقبح تكليف العاجز. وعليه بنينا فساد مقالة المحقق الكركي من صحة اتيان الفرد الواجب الموسع المزاحم للمضيق امتثالا للامر بالطبيعة المنطبقة عليه قهرا فيجزى عقلا. ومع اقتضاء كل امر القدرة على متعلقه كيف يصح التمسك باطلاق الامر على عدم تقييد المتعلق بالقدرة ، حتى يقال : ان القدرة المعتبرة فيه عقلية لا شرعية ، فيقدم على ما قيد بالقدرة الشرعية عند المزاحمة ، بل نتيجة اقتضاء الخطاب القدرة على متعلقة هو ان القدرة في جميع التكاليف تكون شرعية ، وليس لنا ما يكون القدرة المعتبرة فيه عقلية محضة ليترتب عليها ما يترتب.
واما ثانيا : فلانه هب ان اقتضاء الخطاب ذلك لا يوجب تقييد المتعلق شرعا بالقدرة ، الا انه لا أقل من أن يكون من قبيل احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية المانع من التمسك بالاطلاق ، لأنه لا اشكال في صلاحية اقتضاء الخطاب