فان قلت :
نعم وان كان دخل الصلاة في حصول الملاك أمرا واقعيا تكوينيا ، الا ان الامر لما تعلق بالصلاة ووقعت هي مورد التكليف ، كان جريان البراءة فيما شك في اعتباره في الصلاة بمكان من الامكان.
والحاصل : انه فرق في باب الأسباب والمسببات ، بين تعلق التكليف بالمسبب كقوله تعالى : (١) « وثيابك فطهر » ، وبين تعلقه بالسبب كالصلاة وغيرها مما يكون سببا لحصول الملاك ، حيث إن التكليف انما تعلق بنفس الأسباب ، لا المسببات التي هي عبارة عن الملاكات. فان تعلق التكليف بالمسبب فلا مجال لجريان البراءة عند الشك في دخل شيء في حصوله ، كما إذا شك في دخل الغسلة الثانية أو العصر في حصول الطهارة ، لان متعلق التكليف معلوم ، والشك انما هو في ناحية الامتثال ، فالمرجع أصالة الاشتغال لا البراءة. وهذا بخلاف ما إذا تعلق التكليف بالسبب ، فإنه يكون ح للسبب بماله من الاجزاء والشرائط حيثيتان : حيثية دخله في حصول الملاك ، وحيثية تعلق التكليف به ، والبرائة وان لم تجر فيه من الحيثية الأولى لأنها ليست جعلية بل هي واقعية تكوينية ، الا انها تجرى فيه من الحيثية الثانية ، لرجوع الشك فيها إلى الشك في التكليف ، وبعد اخراج المشكوك كالسورة مثلا عن تحت دائرة الطلب والتكليف يكون المحصل هو خصوص الفاقد للسورة ، وتخرج الحيثية الأولى عن اقتضائها الاشتغال ، ببركة جريان البراءة عن الحيثية الثانية.
وبذلك يحصل الفرق ، بين قصد الامتثال المعتبر في العبادة ، وبين سائر الأجزاء والشرائط ، فان قصد الامتثال لما لم يتعلق به الطلب لاستحالته على ما عرفت ، بل كان مما يعتبره العقل في حصول الطاعة ، كان المرجع عند الشك في اعتباره هو الاشتغال ، لعدم تعلق التكليف بناحية السبب ، فلو شك في حصول الملاك بدون قصد الامتثال كان اللازم عليه قصد الامتثال ، للشك في حصوله بدون
__________________
١ ـ سورة المدثر ، الآية ٤