يكون دائميا ، بعد ما كان الواجب في اليوم فريضة واحدة ، اما جهرية أو اخفائية ، واما القصر أو الاتمام ، فليس في عالم التشريع الا حكم واحد وملاك واحد. ولو فرض ان كلا من الجهر والاخفات ذو ملاك في الواقع ، فلا بد من وقوع الكسر والانكسار بين الملاكين في عالم التشريع وانشاء الحكم على طبق أقوى الملاكين. وقد عرفت : ان مورد البحث عن الترتب انما هو بعد ثبوت الملاكين وتشريع الحكم على طبق كل منهما على نهج القضايا الحقيقية ووقوع التزاحم والتضاد بينهما اتفاقا ، لمكان عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما. وأين هذا مما إذا كان التضاد دائميا ، فإنه يكون حينئذ من باب التعارض ، لا التزاحم ، على ما تقدم من الفرق بينهما. والتضاد في مسألتي القصر والاتمام والجهر والاخفات ، يكون من التضاد الدائمي ، بحيث لو ورد الدليل على وجوب كل منهما كان الدليلان متعارضين ، وذلك بعد ما كان الواجب في اليوم صلاة واحدة واضح. فلا تندرج المسألة في صغرى التزاحم ، حتى يجرى فيها الخطاب الترتبي.
هذا كله ، مضافا إلى أن الامر الترتبي في الضدين الذين لا ثالث لهما ، كالجهر والاخفات في القراءة ، مما لا يعقل ـ مع قطع النظر عما ذكرنا ـ فإنه يكون من الامر بالحاصل ، لان ترك الجهر يلازم خارجا الاخفات فيها فلا معنى للامر بالاخفات مثلا عند ترك الجهر ، لان الاخفات عند ترك الجهر يكون حاصلا بنفسه ، فلا يعقل ان يكون الامر به باعثا مولويا.
والحاصل : انه كما لا يعقل الامر بأحد النقيضين عند عدم الآخر ـ لان عدم أحد النقيضين عين وجود الآخر خارجا ، وان لم يكن عينه مفهوما ( على ما تقدم في بعض المباحث السابقة ) فلا يعقل ان يقال مثلا : لا تغصب الغصب الصلواتي ، وان غصبت الغصب الصلواتي فصل ، فإنه يكون من تحصيل الحاصل ـ كذلك لا يعقل الامر بأحد الضدين الذين لا ثالث لهما عند عدم الآخر ، فان عدم أحد الضدين وان لم يكن خارجا عين وجود الضد الآخر ، كما كان في النقيضين كذلك ، الا انه يلازمه خارجا ، فيلزم أيضا الامر بالحاصل. فالامر الترتبي في الضدين الذين لا ثالث لهما لا يعقل ، كما في النقيضين.