تعلق بالطبيعة على نحو صرف الوجود ولم يتعلق بجميع حصصها على نحو الشمول والسريان ، والامر المتعلق بالطبيعة على نحو صرف الوجود لا يقتضى أزيد من الرخصة في ايجاد الطبيعة في ضمن أي حصة ، وهذا لا ينافي النهى التنزيهي عن حصة خاصة ، لأنه أيضا يقتضى الرخصة.
وهذا هو السر فيما يصنعه الفقهاء في مقام الجمع بين الاخبار : من حمل النهى على التنزيه والكراهة ، ولا يعاملون النهى التنزيهي معاملة التعارض من وجه أو المطلق ، ولا يحملون المطلق على المقيد في مثل أعتق رقبة ولا تعتق الكافرة ، إذا استفادوا منه كون النهى تنزيهيا وكذا لا يعملون قواعد التعارض من وجه في مثل : أكرم عالما ، ولا تكرم الفاسق ، إذا كان النهى للتنزيه. بل ربما يجمعون بين الاخبار المتعارضة بحمل النهى فيها على التنزيه ، ويستشكلون بأنه لا شاهد على هذا الجمع. واشكالهم من حيث عدم ما يدل على أن النهى تنزيهي ، لا من حيث إن النهى التنزيهي بعد الفراغ عن كونه تنزيهيا لا يوجب الجمع بين الاخبار المتعارضة ، بل ذلك عندهم مفروغ عنه ، وانما ينازعون في الصغرى. فاحفظ ما ذكرناه فإنه يفتح به باب من أبواب الفقه في مقام الجمع بين الاخبار.
وما قيل : من أن التنزيهي في باب العبادات انما يكون بمعنى أقل ثوابا ، فهو بظاهره مما لا يستقيم ، لأنه ليس معنى النهى التنزيهي أقلية الثواب ، ولا موجب لاخراج النهى عن ظاهره من المولوية إلى الارشادية وجعله بمنزلة الاخبار عن قلة الثواب ، بل النهى على ظاهره من المولوية. نعم هو كاشف عن وجود حزازة ومنقصة في تلك الحصة من الطبيعة. وبهذا المعنى تكون جميع الأوامر والنواهي كاشفة وارشادا إلى المصالح والمفاسد ، ومع ذلك تكون الأوامر والنواهي مولوية.
بقى الكلام في القسم الثالث :
وهو ما إذا تعلق النهى التنزيهي بعين ما تعلق به الامر ، كصوم يوم عاشوا. والتوجيه الذي ذكرناه في القسمين الأولين لا يجرى في هذا القسم ، لان صوم يوم عاشوراء بما انه صوم يوم عاشورا مستحب ، لاستحباب صوم كل يوم بالخصوص ، ومعه لا يعقل ان يتعلق به النهى التنزيهي ، لما بين الأمر والنهي من التضاد ، وان