وهذا هو المراد لما ذكره الشيخ قده (١) في مبحث الأقل والأكثر الارتباطيين : من أنه لو كان المأمور به عنوانا لفعل المكلف لم تجر فيه البراءة ، إذ العنوانية انما تكون فيما إذا كان المأمور به من المسببات التوليدية لفعل المكلف ويكون فعل المكلف سببا له ، فإنه يكون الفعل معنونا بذلك المسبب ولا تجرى فيه البراءة ، لرجوع الشك فيه إلى الشك في المحصل ، بداهة ان فعل المكلف بما هو لم يكن متعلق التكليف ، بل متعلق التكليف هو ما يستتبع الفعل من السبب ، فلو شك في أن الجزء الفلاني له دخل في ترتب المسبب كان مقتضى الأصل عدم الترتب ويلزمه الاشتغال ، من غير فرق بين ان يتعلق الامر بالمسبب فيقول : أحرق الثوب ، وبين ان يتعلق بالسبب فيقول : الق الثوب في النار ، لما عرفت من أن الامر بالالقاء لا لمطلوبية نفس الالقاء بما هو فعل من أفعال المكلف ، بل بما هو محصل للاحراق ، فعند الشك في حصول الاحراق لاحتمال دخل شيء فيه كان اللازم فيه هو الاحتياط ، ولا مجال للبرائة أصلا ، كما هو الشأن في الشك في باب المحصلات مط.
هذا كله فيما إذا كان الأثر من المسببات التوليدية لفعل المكلف وأما إذا كان الأثر من الدواعي ، وكان الفعل من المقدمات الاعدادية ، فحيث لا يصح تعلق إرادة الفاعل به فلا يصح تعلق إرادة الامر بايجاده ، لما عرفت من الملازمة ، فمتعلق التكليف انما يكون هو الفعل الاختياري لا غير ، ولو شك في اعتبار جزء أو شرط فيه تجرى فيه البراءة ، إذ ليس وراء الفعل شيء تعلق التكليف به ، والمفروض ان الفعل المتعلق به التكليف مردد بن الأقل والأكثر ، فالبرائة العقلية والشرعية أو خصوص
__________________
١ ـ ذكر الشيخ قدسسره في المسألة الأولى من صور دوران الامر في الواجب بين الأقل والأكثر بعد الفراغ عن تقريب حكم العقل :
« نعم قد يأمر المولى بمركب يعلم أن المقصود منه تحصيل عنوان يشك في حصوله إذا اتى بذلك المركب بدون ذلك الجزء المشكوك كما إذا امر بمعجون وعلم أن المقصود منه اسهال الصفراء بحيث كان هو المأمور به في الحقيقة ، أو علم أنه الغرض من المأمور به ، فان تحصيل العلم باتيان المأمور به لازم كما سيجيء في المسألة الرابعة ». واختار هناك بان الشك فيه كان من قبيل الشك في المحصل الذي يجب فيه الاحتياط. ( فرائد الأصول ص ٢٦٥ ـ ٢٥٤ )