وبالجملة : من نفس تعلق التكليف بالفعل الاختياري يستكشف انه هو المأمور به ، لا الأثر الحاصل منه ، والا لوجب التنبيه عليه ، والا لم يكن الآمر متكلما على طبق غرضه ويكون قد أخل ببيان غرضه ، فتأمل جيدا.
إذا عرفت ذلك كله ، فنقول :
ان باب الملاكات وعلل التشريع لا تكون من المسببات التوليدية لافعال العباد ، بل ليست العبادات بالنسبة إلى الملاكات الا كنسبة المقدمات الاعدادية ، والذي يدل على ذلك عدم وقوع التكليف بها في شيء من الموارد ، من أول كتاب الطهارة إلى اخر كتاب الديات. فالملاكات انما تكون من باب الدواعي ، لا المسببات التوليدية ، وليست الصلاة بنفسها علة تامة لمعراج المؤمن والنهى عن الفحشاء ، ولا الصوم بنفسه علة تامة لكونه جنة من النار ، ولا الزكاة بنفسها علة تامة لنمو المال ، بل تحتاج هذه المقدمات إلى مقدمات اخر ، من تصفية الملائكة وغيرها حتى تتحقق تلك الآثار ، كما يدل على ذلك بعض الاخبار. فإذا لم تكن الملاكات من المسببات التوليدية ، فلا يصح تعلق التكليف بها ، لا بنفسها ، ولا باخذها قيدا لمتعلق التكليف ، فكما لا يصح التكليف بايجاد معراج المؤمن مثلا. لا يصح التكليف بالصلاة المقيدة بكونها معراج المؤمن ، إذ يعتبر في التكليف ان يكون بتمام قيوده مقدورا عليه ، فإذا لم يصح التكليف بوجه من الوجوه بالملاكات لم يصح ان تكون هي الجامع بين الافراد الصحيحة للصلاة ، ولا اخذها معرفا وكاشفا عن الجامع ، بداهة انه يعتبر في المعرف ان يكون ملازما للمعرف بوجه ، وبعد ما لم تكن الملاكات من المسببات التوليدية لا يصح اخذ الجامع من ناحية الملاكات.
والحاصل : انه قد عرفت ان هناك ملازمة بين الجامع المسمى وبين كونه متعلق التكليف ، فإذا لم يمكن تعلق التكليف بالملاكات بوجه من الوجوه لا يصح استكشاف الجامع من ناحية الملاكات بوجه من الوجوه ، لا على أن تكون هي المسمى ، ولا قيدا في المسمى ، ولا كاشفا عن المسمى ، بداهة انه بعد ما كانت الملاكات من باب الدواعي وكان تخلف الدواعي عن الأفعال الاختيارية بمكان