ثم انه ينبغي التنبيه على أمور :
الأول ـ ان الاضطرار يمكن ان يراد به أحد معان :
١ ـ العجز التكويني عن الامتثال.
٢ ـ العجز الشرعي ، أعني الاشتغال بالأهم أو المساوي كما لو اضطر إلى شرب النجس لأجل حفظ نفس محترمة يجب حفظها.
٣ ـ الحرج أو الضرر إذا اقتضيا الترخيص الشرعي وان لم يكن عجز في البين والاشتغال بواجب أهم.
والقسم الأول غير قابل للترخيص الشرعي أصلا وانما الترخيص فيه عقلي ، نعم يمكن للشارع التصرف في الترخيص بصرفه إلى طرف معين.
والقسم الثاني يكفي فيه علم المكلف بالمزاحمة بالأهم ولا حاجة إلى الترخيص الشرعي لكنه قابل له ولو من باب إيصال الأهمية.
واما القسم الثالث فلا يكون الترخيص فيه الا شرعيا.
وما تقدم من النكات في حكم الاضطرار كان المنظور فيها القسمان الأولان ، واما القسم الثالث فلو كان الضرر والحرج في طرف معين جرى فيه كل ما تقدم في حالة الاضطرار إلى طرف بعينه.
واما إذا كان الضرر أو الحرج يرتفع باقتحام طرف لا بعينه فقد يناقش حينئذ في أصل شمول أدلة نفي الحرج والضرر للمقام تارة بدعوى ان هذه الأدلة تنفي الحكم بلسان نفي موضوعه فلا بد من موضوع له حكم شرعي يستلزم منه الحرج وفي المقام الحكم الشرعي المعلوم بالإجمال ليس موضوعه حرجيا ولا ضرريا وانما الضرر في الاحتياط والموافقة القطعية باجتناب تمام الأطراف وهذا ليس موضوعا لحكم شرعي بل عقلي فلا تحكم عليه أدلة نفي الحرج أو الضرر ، وأخرى : بدعوى ان هذه الأدلة وان كانت تنفي منشأ كل حرج أو ضرر وهو هنا الحكم الإلزامي المعلوم بالإجمال ولو في طول حصول الإجمال الا انه يشترط فيه ان يكون حكما شرعيا لا عدم حكم أو ترخيص ، والضرر في المقام ينشأ من عدم الترخيص الشرعي في الأطراف لا من مجرد الحكم الواقعي الإلزامي ، وهذا الاعتراض بصيغتيه قد تقدم تفنيده وإبطاله في بحث دليل الانسداد وأوضحنا هناك شمول أدلة نفي الحرج والضرر لأطراف العلم الإجمالي