وإذا اتضحت هذه الفكرة في الفقه قلنا في المقام : ان الّذي تكون يد الغير تمام الموضوع له هو الضمان لا اشتغال الذّمّة ، فالغاصب بمجرد وضع يده على الغير يصبح مسئولا عن أدائه إليه ويحرم عليه التصرف فيه واما اشتغال ذمته به فليس وضع اليد عليه تمام الموضوع له بل جزؤه ، وجزؤه الآخر تلف المال فالعلم الإجمالي ليس علما بتمام الموضوع لشغل الذّمّة ولكن المشهور لم يميزوا بين الأمرين بل عبروا بالضمان عن شغل الذّمّة وبالعكس ، فقال بعضهم ان الضمان معناه شغل الذّمّة بالبدل من القيمة أو المثل ، وبعضهم قال بان الضمان يعنى كون المال في عهدته بكامل خصوصياته الشخصية والمثلية والقيمية وكلما تعذر إرجاع شيء منها بقي الباقي منها في العهدة فيجب رده ، ومنهم من قال بان العين تبقى في العهدة بتمام خصوصياتها غاية الأمر ان عهدة العين تقتضي ردها عند وجودها ورد بدلها حين فقدها.
وعلى أساس هذه التفاسير أيضا لا يكون العلم الإجمالي بغصبية إحدى الشجرتين علما بتمام الموضوع لاشتغال الذّمّة لأن العهدة بما هي حكم وضعي لا يتنجز وانما المنجز الحكم التكليفي برد المثل أو القيمة وهو على كل حال مشروط بتلف مال الغير وهو غير محرز فلا بد من التفصيل حينئذ بين ما إذا كانت الحالة السابقة للشجرة التالفة انها ملك للغير فيستصحب وينقح به موضوع شغل الذّمّة وبين ما إذا لم يكن أصل موضوعي كذلك.
الا ان الإنصاف منجزية العلم الإجمالي الأول للضمان بمعنى اشتغال الذّمّة أيضا الآن العرف بحسب المناسبات المركوزة لديه يفهم من خطاب شغل الذّمّة عند التلف والعهدة انهما بملاك واحد لا بملاكين ، فشغل الذّمّة كحكم وضعي وان كان منوطا بالتلف بحسب صناعته القانونية الاعتبارية الا ان الحكم بوجوب رد المثل أو القيمة ثابت من أول الأمر ملاكا على الأقل فيكون منجزا بالعلم الإجمالي الأول لا محالة فما أدركه هؤلاء المحققون من ان العلم الإجمالي بغصبية إحدى الشجرتين منجز للحكم بالضمان واشتغال الذّمّة صحيح.
على اننا في غنى عن إثبات تنجيز الضمان بهذا العلم لأنه يكفينا العلم الإجمالي الثاني باشتغال الذّمّة بالبدل أو اشتغال العهدة بتسليم الشجرة غير التالفة وحرمة التصرف فيها وهو علم إجمالي منجز عندنا كمنجزية العلم الإجمالي بنجاسة الملاقي أو الطرف.