الجزء من الموضوع وهو الشك في الحرمة انما يستفاد بملاحظة الغاية في الحديث مع ان موضوع النهي في الغاية لا بد وان يكون ملحوظا بقطع النّظر عنها. فالمرحلة الثانية من الاستدلال تامة الا ان المرحلة الأولى قد عرفت عدم تماميتها.
ثم ان صاحب الكفاية ( قده ) بعد ان فرض ان المراد من الورود في الحديث الصدور لا الوصول اقترح تتميم الاستدلال بضم استصحاب عدم الصدور فيتنقح موضوع البراءة قبل الصدور وهو من الاستصحاب الموضوعي الجاري في امر خارجي وهو صدور الخطاب لا الحكمي الجاري عن الحرمة ابتداء ، وهو لا يتم الا إذا ثبتت البراءة الظاهرية قبل الصدور. وبهذا نصل إلى النتيجة المطلوبة وهي البراءة في تمام الشبهات.
ثم علق عليه بان هذا لا يثبت تمام المطلوب ، إذ لا يمكن إثبات البراءة في موارد العلم بصدور النهي والإباحة ولكن يشك في المتقدم منهما والمتأخر.
وهذا التعليق قد يفسر بما لعله ظاهر من عدم جريان استصحاب عدم صدور النهي في هذه الحالة للعلم بصدوره بحسب الفرض. وقد يفسر ـ كما عن المحقق الأصفهاني ( قده ) ـ بأنه لا يجري استصحاب عدم الصدور لكون المورد من توارد الحالتين فلا يجري فيه الاستصحاب اما للمعارضة أو في نفسه لعدم اتصال زمان اليقين بزمان الشك ، وحينئذ يعترض عليه : ـ كما عن المحقق المذكور ـ بان التوارد في المقام غير معقول لأن العلم بطرو الحرمة والإباحة معا لا يكون الا بان تكون هناك إباحة بعد الحرمة والا فلو كانت الحالة الثانية هي الحرمة فلا إباحة إذ لا يعقل طرو إباحة قبل الحرمة على الإباحة الثابتة بمقتضى هذا الحديث قبل كل نهي فانه من اجتماع إباحتين وهو محال.
وفيه : أولا ـ انه لا يلزم في فرض توارد الحالتين العلم بطرو إباحة أخرى يعلم بمغايرتها مع الأولى بل يمكن فرض زمانين يعلم بثبوت الإباحة في أحدهما وثبوت الحرمة في الاخر كما لو علم بحرمة الفعل في غزوة خيبر مثلا وبإباحته في السنة الرابعة للهجرة وشك في ان الغزوة المذكورة كانت قبل السنة الرابعة أو بعدها فان كانت قبلها فالإباحة أصلية قبل النهي وهي مرتفعة وان كانت بعدها فالإباحة طارئة على النهي وهي باقية فتصوير توارد الحالتين لا يتوقف على ما ذكره ( قده ) ليكون غير معقول.