لنسبة المادة إلى الفاعل مضمناً معنى الشركة فقولك ضارب زيد عمرا معناه صدور الضرب المقيد بكونه مشاركا فيه مع عمرو من زيد فكأنما قال شارك زيد عمرا في الضرب فباب المفاعلة يكون بين الاثنين ولكن بنحو يكون أحدهما فاعلا والآخر مفعولا لما عرفت من انه يدل على نسبة الفعل إلى الفاعل مع تطعيمه معنى المشاركة ، وبهذا يختلف عن باب التفاعل فلا يلزم دلالة الهيئة على معنيين ، ولا عدم الفرق مع باب التفاعل ، ولا سلخه عن فعل الاثنين.
وامّا المقطع الأول من كلامه فيرد عليه :
أولا ـ ان ما استعرضه من الأمثلة لا يكون بمقدار ينافي مع ما يدعى وجدانا من ان باب المفاعلة يكون بين الاثنين.
وثانيا ـ ان جملة ممّا استعرضه من الأمثلة كبارز ونافق وساعد ونادى وأرى وباشر ليس لها ثلاثي بمعناه امّا لعدم استعمال ثلاثية في معنى ، أو لاستعماله في معنى آخر لا يناسب مع معناه في باب المفاعلة من قبيل خالع ومثل آخذ بمعنى عاقب فانه باعتباره من العالي إلى الداني فوقوعه بين الاثنين بعيد عن الاعتبار (١) ، ومراد المشهور من وضع المفاعلة لفعل الاثنين ان المفاعلة المأخوذة من المجرد الّذي يلائم مع فرض وقوعه بين الاثنين.
على انه يمكن ان يراد بقول المشهور من ان الأصل في باب المفاعلة فعل الاثنين ان هذا هو المعنى الأولي لباب المفاعلة وان سائر المعاني في هذا الباب انما هو من جهة التشبه بهذا المعنى ولو من حيث ان ما يقع بين الاثنين كان له نحو امتداد وطول ، فسافر بمعنى السفر الطويل الممتد كالفعل الّذي يتجاذبه الاثنان.
ثم انه يمكن تصوير معنى باب المفاعلة بنحو أكثر فيه ممّا سبق بان يقال : ان صيغة المفاعلة كضارب تدل على ثلاثة أمور :
١ ـ مادة الفعل كالضرب الدالة على معناها الأصلي وهو طبيعة الضرب.
٢ ـ صيغة فاعل ـ أو الألف الزائدة ـ الدالة على تحصيص المعنى المستفاد من تلك
__________________
(١) اللهم الا بلحاظ المعنى المطابقي للمؤاخذة الّذي يعني إيقافه للحساب فكأن الوقوف لذلك من الجانبين ، بل وبالتدقيق في الأمثلة المذكورة أيضا يوجد فعل الاثنين بمعنى من المعاني المفقودة في غير هذا الباب وهو المشاركية ـ بالفتح ـ مع الطرف المفعول في تحقق الفعل في كل مورد بالنحو المناسب له فتأمل جيدا.