والصحيح : في ضابط الفرق بين الحكومة والتخصيص ـ على ما سنشرحه مفصلا في بحوث التعارض ـ ان التخصيص يكون بملاك القرينية النوعية العامة والحكومة تكون بملاك القرينية الشخصية من قبل المتكلم نفسه وتفسيره لمرامه من المحكوم ، وهذا هو الّذي يجعل الحكومة بين دليلين متوقفة على نظر أحدهما إلى الآخر.
وهذه النكتة محفوظة بين دليل نفي العسر والحرج وأدلة الأحكام الأولية لأنها ظاهرة في النفي التركيبي أي فرغ فيها عن وجود أحكام في الشريعة والدين في المرتبة السابقة للدلالة على نفي ما ينشأ من إطلاقها حرج أو عسر.
واما في لا ضرر فقد يقال بان قيد في الإسلام لم يثبت في سنده ومجرد نفي الضرر لا يستلزم النّظر إلى الأحكام الأولية ، كما إذا قال المولى لا يصدر مني حكم ضرري فان هذا لا يتوقف على الفراغ عن ثبوت أحكام أولية لأنه نفي بسيط لا تركيبي ، فلا بد من بذل عناية لإثبات نظر القاعدة إلى تلك الأحكام وهذا ما يمكن بيانه بأحد تقريبات :
الأول ـ ان يقال بان ارتكاز المتشرعة بان له شريعة وأحكام يجعل القاعدة ناظرة إلى الأحكام الأولية فكأنّه قال لا ضرر من ناحية الشريعة والإسلام.
الثاني ـ ان يقال ان سياق الامتنان فيها يجعلها ناظرة إلى الأحكام الأولية وان النفي فيها تركيبي ، وبعبارة أخرى سياق الامتنان يقتضي ان هناك مقتضيا للأحكام الضررية وإلاّ لم يكن هناك امتنان وهذا بنفسه ملاك للنظر والفراغ عن ثبوت الاقتضاء لتلك الأحكام الضررية كما هو الحال في أدلة المانعية التي يكون لها نظر إلى دليل الحكم الممنوع.
الثالث ـ انه لو كان يحتمل جعل المولى لأحكام أصلها ضررية فقط احتمل ان تكون القاعدة بصدد نفي ذلك نفيا بسيطا إلاّ ان هذا في نفسه غير محتمل بل الأكثر احتمالا جعل المولى لأحكام إطلاقها ضرري وان القاعدة تريد نفي ذلك فلو لم تكن ناظرة إلى ذلك كان مفادها لغوا زائدا.
وفيه : إن أريد عدم احتمال ضررية تمام الأحكام فهو صحيح ، إلاّ انه لا ينحصر الأمر في ذلك فانه يحتمل ضررية بعضها ، وإن أريد عدم كفاية نفي هذا الاحتمال في دفع اللغوية ، فهو ممنوع مع قطع النّظر عن الارتكاز المتقدم.