والله لقد رأيت عقيلاً وقد أملق حتى استماحني من برّكم صاعاً ، ورأيت صبيانه شعث الشعور ، غبر الألوان من فقرهم ، كأنما سوّدت وجوههم بالعظلم ، وعاودني مؤكّداً ، وكرّر عليّ القول مردداً ، فأصغيت إليه سمعي ، فظنّ أني أبيعه ديني ، وأتبع قياده مفارقاً طريقي ، فأحميت له حديدةً ، ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها ، فضجّ ضجيج ذي دنف من ألمها ، وكاد أن يحترق من ميسمها. فقلت له : ثكلتك الثواكل ياعقيل ، أتئن من حديدةٍ أحماها إنسانها للعبه ، وتجرّني إلى نار سجّرها جبّارها لغضبه ، أتئنّ من الأذى ، ولا أئنّ من لظى ؟! » (١).
وكان عليهالسلام شديداً في مراقبة عمّاله ومحاسبتهم إذا بدر منهم أيّ مظهر من مظاهر الاستئثار بحقوق المسلمين ، وحريصاً على تطبيق هذه السياسة إلى آخر المدى. فمن كتاب له عليهالسلام إلى مصقلة بن هبيرة الشيباني ـ وهو عامله على أردشير خرّه ـ : « بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت إلهك ، وأغضبت إمامك ؛ أنك تقسم فيء المسلمين الذي حازته رماحهم وخيولهم ، وأريقت عليه دماؤهم ، فيمن اعتامك من أعراب قومك. فوالذي فلق الحبّة ، وبرأ النسمة ، لئن كان ذلك حقاً لتجدنّ بك علي هواناً ، ولتخفنّ عندي ميزاناً. فلا تستهن بحقّ ربك ، ولا تصلح دنياك بمحق دينك فتكون من الأخسرين أعمالاً. ألا وإن حقّ من قبلك وقبلنا من المسلمين في قسمة هذا الفيء سواء ، يردون عندي عليه ويصدرون عنه » (٢).
______________
(١) نهج البلاغة : ٣٤٦ الخطبة ٢٢٤.
(٢) نهج البلاغة : ٤١٥ الكتاب ٤٣.