إلاّ أن ذا الأثر لمّا كان معنونا بعنوان حسن يستقل العقل بمدح فاعله بل وبذم تاركه ، صار متعلقا للايجاب بما هو كذلك ، ولا ينافيه كونه مقدمة لأمر مطلوب واقعا ، بخلاف الواجب الغيري لتمحض وجوبه في أنه لكونه مقدمة لواجب نفسي ، وهذا أيضا لا ينافي أن يكون معنونا بعنوان حسن في نفسه ، إلاّ أنه لا دخل له في إيجابه الغيري (١).
وكنا شرحنا قوله الأوّل : ولا ينافيه ، أن وجه عدم المنافاة أن كونه مقدمة لأمر مطلوب واقعا يكون مؤكدا لطلبه النفسي لا أنه موجب لتعلق طلب آخر به من مقولة الطلب الغيري. ويظهر هذا من قوله في الواجب الغيري : لتمحض وجوبه الخ ، فانه دليل على أن الطلب النفسي غير متمحض بل هو من جهتين النفسية والغيرية. وشرحنا قوله ثانيا : ولا ينافي الخ ، أنّ وجه عدم المنافاة هو أنّ الطلب الغيري يكون في طول الطلب النفسي ، فلا يكون ذلك من قبيل اجتماع المثلين ولا من قبيل التأكد ، فتأمل. هذا ما كنا شرحنا به العبارة المذكورة في تعليقاتنا على الكفاية.
ولكن لا يخفى أن هذه الطوليّة لا اختصاص لها بالقسم الثاني ، بل يمكن أن تأتي في القسم الأوّل أيضا. ومنه يظهر لك أنه لا وجه لكون الوجوب في القسم الثاني ممحضا للغيرية.
والحاصل : أنه بناء على هذا الذي أفاده من كون ذي الأثر ذا عنوان حسن في حد ذاته مضافا إلى كونه مقدمة لأمر مطلوب ، يكون ذلك الفعل مجمعا للملاكين النفسية والغيرية ، فان كانت الطولية نافعة في اجتماع الوجوبين كانت جارية في كل من القسمين ، وإلاّ كان اللازم هو الالتزام
__________________
(١) كفاية الاصول : ١٠٨.