نقضا لما تقدم منه في الواجب التخييري ، أعني قوله : وذلك لوضوح أن الواحد لا يكاد يصدر من الاثنين بما هما اثنان ما لم يكن بينهما جامع في البين ، إلخ (١) فانّه كما لزمه هناك الالتزام بوجود الجامع فكذلك يلزمه هنا ، وليس هو هنا إلاّ صرف الطبيعة. ولا يخفى أن الجامع هنا أسهل منه هناك لكونه هنا عرفيا وهو صرف الطبيعة بخلافه هناك ، فلاحظ وتدبر.
وعلى كل حال يكون الواجب الكفائي الناشئ عن ملاك واحد مساويا لما يكون ناشئا عن تعدد الملاك في سقوطه عن الباقين لو فعله البعض منهم ، وفي استحقاق الجميع للعقاب لو تركه الكل ، وفي حصول الامتثال للجميع لو فعله الكل دفعة واحدة ، غايته أنه في ذي الملاك الواحد امتثال واحد وفي ذي الملاكات امتثالات متعددة ، لكن لازمه ما عرفت من كون كل واحد من المكلفين مكلفا بأمر واحد وهو صرف الطبيعة. ولعله لا يخلو من إشكال عدم المعقولية ، فلا بدّ أن ننزل الواجبات الكفائية على تعدد الملاك حتى فيما لو كان فعل أحدهم رافعا لموضوع فعل الآخرين كما في الدفن.
ولعل تخيل كون ذلك من قبيل ذي الملاك الواحد أو ذي الغرض الواحد قد نشأ من هذه الجهة ، أعني كون فعل أحدهم رافعا لموضوع الفعل الآخر ، فيتخيل المتخيل أن الملاك واحد ، فلاحظ وتدبر.
ولا يبعد أن ندعي أن أغلب الواجبات الكفائية من هذا السنخ ، أعني مما يكون فعل أحد المكلفين رافعا للموضوع من الآخرين ، حتى في مثل الصلاة على الميت ، إذ ليس المطلوب إلاّ صلاة واحدة على وجه لو قلنا بتشريع التكرار لم يكن إلاّ مستحبا لا واجبا.
__________________
(١) كفاية الاصول : ١٤١.