مردد بين الفورية ثانيا وعدمها فلاحظ ، هذا.
ولكنك قد عرفت أن القول بالفورية ليس من قبيل تقييد المادة ، بل إنما هو بقضية نفس الأمر القاضي بالبعث الفعلي الموجب للانبعاث الفعلي ، فلو عصى كان الأمر بحاله متعلقا بالطبيعة فورا ، فهو على وتيرة ما لو قام دليل بالخصوص على وجوب الفورية مثل قضية الحج ، في أن العصيان في أول أزمنة الامكان لا يوجب سقوط الأمر بالطبيعة ولا سقوط لزوم الفور ، والنتيجة هي وجوب الطبيعة فورا ففورا ، فلاحظ.
ثم إن الفورية قد تكون مأخوذة من الحرمة ، كما في فورية إزالة النجاسة عن المسجد أو عن المصحف أو إخراجه من المحل غير المناسب له ، فان الأصل في ذلك ونحوه هو حرمة إبقاء النجاسة فيكون التأخير عصيانا ، ولعل الأمر كذلك في وجوب التوبة لكونها تخليصا للنفس من دنس الذنوب ، أو لكونه موجبا للخروج عن الاصرار عليها وهو في حدّ نفسه حرام.
أما في مثل قضاء صوم اليوم الفائت من شهر رمضان فان العقل يحكم بالمسارعة فيه خوفا من الفوت بالموت أو بالمرض ، إلاّ أن يستند في ذلك إلى استصحاب الحياة وعدم المرض ، فلو أخّر طمعا في أن يصوم في يوم الغدير مثلا اعتمادا على الأصل المزبور بأن قلنا بصحة الاعتماد عليه واتفق أنه مات قبله ، لم يكن مستحقا للعقاب وإن بقيت ذمته مشغولة به وكان اللازم أن يقضى عنه ذلك اليوم بعد وفاته ، وهكذا الحال في قضاء الصلوات اليومية.
وإن لم يكن في تأخيره معتمدا على الأصل واتفق أنه أدركه ، لم يكن في البين إلاّ مجرد التجري ، لكن لو اتفق موته قبله كان بذلك التأخير