الأول هو تقدمه على الوجوب ومقتضى الثاني هو تأخره عنه ، لكن الذي صحّح ذلك هنا هو أن نفس القيد خارج عن المأمور به ، والذي هو داخل فيه هو تقيده به ، وذلك لا يستدعي تأخر نفس القيد رتبة عن الوجوب ، وإنّما أقصى ما فيه هو كون تقيد الواجب به متأخرا عن الوجوب لا أن نفس ذلك القيد متأخر عن الوجوب ، فلا يكون ذلك منافيا لكونه شرطا في الوجوب القاضي بتقدمه رتبة على الوجوب.
وخلاصة الفرق بين ما يكون زمانه متأخرا مثل وجوب صلاة الفجر المتوجه في أول الليل ، وبين ما يكون متوقفا على طي المسافة المتوقفة على مقدار من الزمان كالأمر لمن كان بالنجف مثلا بالكون في مسجد الكوفة ، فالأول لا محيص فيه لنا من أخذ نفس الزمان فيه شرطا وإن كان بالنسبة إلى الخطاب فقط ، بخلاف الثاني فانه وإن تأخر عن زمان توجه التكليف إلاّ أنه عند توجه التكليف به إلى المكلف يكون المكلف قادرا عليه ولو بالقدرة على طي المسافة إليه ، فان الشخص الموجود في النجف قادر الآن على الكون في مسجد الكوفة ، وذلك بأن يسعى ويقطع المسافة إليه. نعم إن الكون في المسجد الآن غير مقدور له ، فلا يصح أن يكلف بالكون الآن في مسجد الكوفة ، لأن الكون الآن في مسجد الكوفة غير مقدور له أصلا.
فصار الحاصل أن الفعل المتوقف على طي مسافة بمقدار ساعة مثلا كما لا يصح التكليف به فعلا مقيدا بما بعد تلك الساعة ، كذلك لا يصح التكليف به فعلا مقيدا بكونه واقعا في هذا الآن ، بل إن هذا أردأ من الأول ، إذ يصح في الأول أن يتوجه إليه التكليف مشروطا بمضي ذلك الزمان