رسول الله صلىاللهعليهوآله كان في زمان مقفر جدب فأما إذا أقبلت الدنيا فأحق أهلها بها أبرارها لا فجارها ومؤمنوها لا منافقوها ومسلموها لا كفارها فما أنكرت يا ثوري فو الله إنني لمع ما ترى ما أتى علي مذ عقلت صباح ولا مساء ولله في مالي حق أمرني أن أضعه موضعا إلا وضعته.
قال فأتاه قوم ممن يظهرون الزهد ويدعون الناس أن يكونوا معهم على مثل الذي هم عليه من التقشف فقالوا له إن صاحبنا حصر عن كلامك ولم تحضره حججه ـ فقال لهم فهاتوا حججكم فقالوا له إن حججنا من كتاب الله فقال لهم فأدلوا بها فإنها أحق ما اتبع وعمل به فقالوا يقول الله تبارك وتعالى مخبرا عن قوم من أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله : « وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » (١) فمدح فعلهم وقال في موضع آخر « وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً » (٢) فنحن نكتفي بهذا فقال رجل من الجلساء إنا رأيناكم تزهدون في الأطعمة الطيبة ومع ذلك تأمرون الناس بالخروج من أموالهم حتى تمتعوا أنتم منها
______________________________________________________
قوله عليهالسلام : « في زمان مقفر » ، قال الجوهري : « القفر » مفازة لا نبات فيها ولا ماء ، ونزلنا ببني فلان فبتنا القفر : أي لم يقرونا ، و « قفرت المرأة » بالكسر فهي قفرة أي : قليلة اللحم ، « والقفار » بالفتح : الخبز بلا أدم ، « وأقفرت الدار » خلت ، « وأقفر فلان » إذا لم يبق عنده أدم ، وقال الفيروزآبادي : « القشف » : رثاثة الهيئة وسوء الحال وضيق العيش ، « والمتقشف » المتبلغ بقوت ومرقع. والحصر : العي ويقال : أدلى بحجته أي احتج بها.
قوله عليهالسلام : « وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ » ، قال البيضاوي : يقدمون المهاجرين على أنفسهم « وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ » أي حاجة « وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ » حتى يخالفها فيما يغلب عليها من حب المال وبغض الإنفاق.
قوله تعالى : « عَلى حُبِّهِ » أي حب الله أو الطعام أو الإطعام ، وكلمة « أو » في قولهم
__________________
(١) سورة الحشر ـ ١٠.
(٢) سورة الدهر ـ ٨.