فأقول : لقد مرّت بنا في البحث عن حياته بالبصرة وذكر نشاطه الإداري والسياسي ، بعض كتب الإمام إليه ، وكان منها كتاب ذكرت له أكثر من صورة ، وأكثرت من ذكر مصادره حتى جازت الثلاثين ، ولم يكن ذلك مني عبثاً ولا ترفاً ولا سرفاً وإنّما لغرض تسديد موقفي إزاء تلك التهمة ، فإنّ لذلك الكتاب في نفس ابن عباس أثر بالغ عبّر عنه بقوله : « ما انتفعت بكلام أحد مثل ما انتفعت بكلام أحد بعد رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم كانتفاعي بكلام كتب به أمير المؤمنين كتب إليَّ » :
« سلام عليك أمّا بعد : فإنّ المرء يسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه ، ويسره درك ما لم يكن ليفوته ، فليكن سرورك بما نلت من امر آخرتك ، وليكن أسفك على ما فاتك منها ، وما فاتك من الدنيا فلا تأسفنّ عليه ، وليكن همك فيما بعد الموت ».
وهذا ما رواه سبط ابن الجوزي بإسناد ينتهي إلى المأمون العباسي وهو يرويه عن آبائه الخالفين عن ابن عباس. وعقب السبط عليه بقوله : « وقد روى السدي هذا عن أشياخه وقال عقيبه : كان الشيطان قد نزغ بين ابن عباس وبين عليّ (عليه السلام) مدة ثمّ عاد الأمر إلى موالاته ... » (١). ثمّ ذكر المراسلات الّتي خبط فيها الكثيرون ممّا سنذكرها في الحلقة الرابعة إن شاء الله.
ولعل هذا الّذي أشار إليه السدي إنّما أراد ما ذكره اليعقوبي في تاريخه ، فقد قال : « وكتب أبو الأسود الدؤلي ـ وكان خليفة عبد الله بن عباس بالبصرة ـ إلى عليّ (عليه السلام) يعلمه أنّ عبد الله أخذ من بيت المال عشرة الاف درهم ، فكتب
____________
(١) تذكرة الخواص / ٨٩ ط حجرية سنة ١٢٨٥ هـ.