إليه يأمره بردّها فامتنع فكتب يقسم له بالله ليردّنها ، فلمّا ردّها عبد الله بن عباس أو ردّ أكثرها كتب إليه (عليه السلام) : أمّا بعد فإنّ المرء يسرّه درك ما لم يكن ليفوته ، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه ، فما أتاك من الدنيا فلا تكثر به فرحاً ، وما فاتك منها فلا تكثر عليه جزعاً ، واجعل همّك لما بعد الموت والسلام » (١).
وأخيراً بعد ما ذكرناه من أمر الكتاب فلنقرأ ما وجدناه يتضمن حضوره بالكوفة ، وقد أتى بما عليه من المال :
روى الطبرسي في مكارم الأخلاق خبراً له اتساق واتفاق مع ما مرّ : « عن عبد الله بن عباس لمّا رجع من البصرة وحمل المال ودخل الكوفة ، وجد أمير المؤمنين (عليه السلام) قائماً في السوق وهو ينادي بنفسه : معاشر الناس من أصبناه بعد يومنا هذا يبيع الجرّي والطافي والمارماهي علوناه بدرّتنا هذه ـ وكان يقال لدرّته السبتية ـ.
قال ابن عباس : فسلّمت عليه فردّ عليَّ السلام ثمّ قال : يا بن عباس ما فعل المال؟
فقلت : ها هو يا أمير المؤمنين ، وحملته إليه ، فقرّبني ورحّب بي ، ثمّ أتاه منادٍ ومعه سيفه ينادي عليه بسبعة دراهم. فقال : لو كان لي في بيت مال المسلمين ثمن سواك أراك ما بعته ، فباعه واشترى قميصاً بأربعة دراهم ، وتصدّق بدرهمين ، وأضافني بدرهم ثلاثة أيام » (٢).
____________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٨١ ط النجف.
(٢) مكارم الأخلاق (آداب اللباس ـ ترقيع الثياب) / ١٣٠ ط حجرية سنة ١٣٧٦ و / ٤٨ ط مصر سنة ١٣٦٩ و / ١١٢ ط الحيدرية بتقديمنا سنة ١٣٩١ هـ.