فهذا الخبر يتسق مضموناً مع ما مرّ ، فثمة مال أخذه ابن عباس ، وثمة مطالبة به ، وثمة تسليم آنيّ ، ثمّ من بعده تقريب وترحيب ، وأخيراً ضيافة ثلاثة أيام بدرهم.
ثمّ إنّ الخبر بكل مفرداته يتفق مع سيرة إمام عادل شديد في مراقبة ومحاسبة عمّاله القريب منهم والبعيد كلّهم سواسية أمام العدالة. ومع الأسف لم يفصح الخبر عن وجه الأخذ بأيّ اعتبار كان ، فهل كان له على وجه الحقّ الشرعي فيما يراه؟ أو كان على سبيل القرض؟ ومهما كان وجه ذلك فقد ردّه فرضي عنه الإمام : فرواية اليعقوبي أولى بالقبول لأنّها ملتصقة بالمقبول وهو المعقول وهي أنسب بواقع الحدث كما حدث وتلمسنا صحتها بخبر مكارم الأخلاق ، فهو رصين ومقبول أيضاً. كما إنّ الخبر أيضاً أوضح سيرة ذلك الإمام العادل في مراقبة ومعاقبة أصحاب المكاسب المحرّمة حتى الصيّادين فكان ينادي بنفسه. وأوضح جانباً من ورعه عن تناول ما يحتاج من بيت مال المسلمين ، ولو كان له فيه ثمن سواك من أراك لما باع سيفه. ثمّ ها هو قد باعه بسبعة دراهم فأين صرفها؟ اشترى قميصاً بأربعة دراهم ، وتصدّق بدرهمين وأضاف ابن عمه بدرهم ثلاثة أيام فدتك النفوس يا إمام العدالة في الأرض.
وثمة آخر موقف فيه حضور لابن عباس في الكوفة نجد في أخباره دلالات تبعد عنه الشكوك كما تدل على حسن السلوك. وهو آخر حضور له ، ولعله أطول مكثاً في زمانه من غيره ، فقد كان ذلك في شهر رمضان سنة ٤٠ من الهجرة ، وهو الشهر الّذي استشهد فيه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).