وهذا هو منطق الصواب في الجواب في شرعية فعله ، وقد ردّ به على ابن الزبير يوم ندّد به فقال : « وأمّا حمل مال البصرة ، فإنّه كان مالاً جبيناه ، ثمّ أعطينا كلّ ذي حقّ حقه ، وبقيت منه بقية هي دون حقنا في كتاب الله وسهامه » (١).
وبهذا الجواب أخرس ابن الزبير فلم يردّ عليه بشيء ، ولم يذكر التاريخ أنّ أحداً من الحاضرين في المسجد الحرام ـ حيث وقعت المشادّة والمحادّة ـ أنكر على ابن عباس جوابه ، فتبيّن لنا وجه إصرار ابن عباس على حمل المال معه ، وصحة رأيه.
يبقى علينا أن نعرف لماذا أصرّ بنو تميم ـ وبالأصح بعضهم ـ على الممانعة والمجادلة حتى أنتهت إلى المصاولة والمقاتلة؟
فنقول : لقد مرّ بنا في تاريخ حياته في البصرة شواهد التشنّج بينه وبين بني تميم ، وقرأنا كتاب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إليه في الرفق بهم بعد أن جفاهم وأبعدهم وتنكّر لهم ، نكاية بهم لموقفهم المتصلّب يوم الجمل مع الناكثين ، ثمّ ما جرى بعد ذلك لهم معه من مواقف عدائية نتيجة الجفوة والفجوة ، فلا غرابة لو أصرّوا اليوم على العناد ، وقد أمنوا بطشه وسطوته وها هو يغادر البلاد إلى غير رجعة.
وأخيراً هل ترك ابن عباس البصرة هملاً وعرضة للنهب والسلب ، شأن البلاد الّتي تفتقد السلطة؟ أم أنّه استخلف عليها أحداً ينتظم شؤونها حتى يأتيها والي معاوية الحاكم الجديد؟
____________
(١) أنساب الأشراف ترجمة ابن عباس (نسختي المخطوطة بقلمي).