ومع هذا كلّه فلست بالمتيقن باستخلاف ابن عباس له ، كما لا يتنافى دعوى استخلافه وثوب حمران بن أبان على البصرة (١) بعد مغادرة ابن عباس حتى غلب عليها ، فبعث إليها معاوية بسر بن أبي ارطاة ـ السفاك الأثيم ـ وأمره بقتل بني زياد ابن ابيه ـ وهو عامل ابن عباس على فارس ـ لأنّه لم يزل على تمنّعه من مبايعة معاوية ـ وذلك في رجب سنة ٤١ هـ.
وبناءً على هذا التحديد في التاريخ يمكن معرفة تاريخ مغادرة ابن عباس البصرة بأنها كانت بعد النصف من جمادى الأولى ـ وهو تاريخ صلح الحسن (عليه السلام) ـ وقبل رجب ـ وهو تاريخ مجيء بسر بن أبي أرطاة.
ومهما تكن مسألة تحديد تاريخ المغادرة ليس بذي أهمية عند بعض الباحثين في هذا المقام ، لكن فيما أرى فيه بالغ الأهمية لأنّه يشكّل مؤشراً واضحاً على تكذيب حديث خيانة بيت المال في أيام الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وبالتالي مفارقة ابن عباس مغاضباً للإمام وذلك قبل مقتله. وقد جرى على تصديق ذلك الحديث جملة من المؤرخين كالبلاذري والطبري وابن الأثير ومن تأخر عنهم. وستأتي محاسبتهم على مرويّاتهم في الحلقة الرابعة إن شاء الله تعالى.
وممّا تجدر الإشارة إليه في المقام أنّ خيانة النساخين والمصححين أيضاً لعبت دوراً كبيراً في إرباك الباحثين. وإليك نموذجاً واحداً ممّا يتعلق بالمقام : فقد ذكر المؤرخ الفاسي في العقد الثمين قول النووي : « واستعمله عليّ (رضي الله عنه) على البصرة ثمّ فارقها بعد قتله وعاد إلى الحجاز » (٢). وعند الرجوع إلى كتاب النووي
____________
(١) راجع عن ثورته وأسبابها تواريخ الطبري وابن الأثير وابن كثير وابن خلدون في حوادث سنة ٤١ وتجد في ابن خلدون أن اسمه حمران بن زيد.
(٢) العقد الثمين ٥ / ١٩١ مط السنّة المحمدية القاهرة في ترجمة ابن عباس سنة ١٩٥٨.