فكان عالماً ومتكلماً جريئاً يقول الحق ، ولم تخدعه أسارير مفتوحة على قلوب مضطغنة ، وقد مرّت بنا في الحلقة الأولى ( سيرة وتاريخ ) بعض أخباره في الجزء الثاني وما كان منه مع عمر بن الخطاب كما تقدم.
ومرّت بنا عن قريب ما كان يدور بينهما من كلام يصح وصفه بأنّه محاورات إحتجاجية ، وابن عباس لم يكن يخفي ما في نفسه من شعور بالمرارة التي يعانيها هو وسائر أقربائه من بني هاشم من فوت الخلافة منهم ، وإستبعادهم عن مراكز القيادة في الدولة الإسلامية الفتيّة ، لولا أنّهم قوم صبروا على اللأواء ، كما قال سيدهم ومعلمهم : ( فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى ) (١).
ولمّا دالت الأيام ـ والأيام دول ـ لصالح عثمان بخدعة الشورى ـ وهي ( خدعة وأيّما خدعة ) كذا سماها الإمام عليه السلام كما في تاريخ الطبري وسير أعلام النبلاء (٢) ـ وكانت محسوبة النتائج محسومة العواقب ، فكان ابن عباس يعلمها مثل إمامه عليه السلام وهي في رأيهما أنّها هي الخدعة.
وقد مرّ بنا ما رواه عبد الرزاق في ( المصنف ) ، والزمخشري في ( مختصر كتاب الموافقة بين أهل البيت والصحابة ) ، واللفظ له في حديث الشورى : ( وثب علي وعبد الله بن عباس ، فقال له عبد الله بن عباس :
خُدعت يا عليّ؟ فقال : وأيّ خدعة!! فسمعتها فاطمة بنت قيس ، فقالت : إنّ عبد الرحمن طلب الوثيقة لنفسه فأعطاه عثمان الثقة ، وأخذ عبد
____________________
(١) نهج البلاغة / الخطبة الشقشقية.
(٢) تاريخ الطبري ٤ / ٢٣٨ ـ ٢٣٩ ط محققة ، سير أعلام النبلاء ٢ / ٥٧٩ ط دار الفكر ـ