فقد روى البلاذري في ( أنساب الأشراف ) ، قال : ( وفد عمرو بن العاص على معاوية ومعه قوم من أهل حمص ، فأمرهم إذا دخلوا أن يقفوا ولا يسلّموا بالخلافة ، فلمّا دخلوا ، قالوا : السلام عليك يا رسول الله ، وتتابعوا على ذلك ، فضحك معاوية ، وقال : أعزبوا وزجرهم؟
فلما خرجوا قال لهم عمرو : نهيتكم عن أن تسلّموا بالخلافة فسلّمتم بالنبوة ، عليكم لعنة الله ) (١).
وهذا ما رواه الطبري في تاريخه ، وابن الأثير في كامله ، وابن كثير في ( البداية والنهاية ) ، ولكن مع أهل مصر. إذ لم يقف عمرو بن العاص عند تلك التجرية الأولى موقف المتبصر المعتبر فيأخذ العبرة ، بل ازداد في كيده ، وإلى القارئ الخبر بلفظ الطبري ، قال : ( أخبرت أن عمرو بن العاص وفد إلى معاوية ومعه أهل مصر ، فقال لهم عمرو : أنظروا إذا دخلتم على ابن هند فلا تسلّموا عليه بالخلافة ، فإنّه أعظم لكم في عينه ، وصغّروه ما استطعتم.
فلمّا قدموا عليه ، قال معاوية لحجّابه : إنّي كأنّي أعرف ابن النابغة ، وقد صغّر أمري عند القوم ، فأنظروا إذا دخل الوفد فتعتعوهم أشد تعتعة تقدرون عليها ، فلا يبلغني رجل منهم إلاّ وقد همّته نفسه بالتلف ، فكان أوّل من دخل عليه رجل من أهل مصر يقال له ابن الخيّاط وقد تُعتع ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، فتتايع القوم على ذلك ، فلمّا خرجوا قال لهم عمرو : لعنكم الله ،
____________________
(١) نفس المصدر ١ / ق٤ / ٣١.