في طليعة المتكلمين في العقيدة ، يمتاز بقدرة فائقة من فصاحة لسان ، وحسن بيان ، وقوّة حجة ، وفطنته تسدّ على محاوره منافذ الغلبة ، وهذا ما أعرب عنه عمر بن الخطاب بقوله : ( واهاً لابن عباس ما لاحى أحداً إلاّ خصمه ) ، وما ذلك إلاّ من قوّة إيمانه ، وكثرة علمه ، وحفظه لأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيما يحتاج إليه عند الإستدلال ، وأحاديثه في هذا الباب ـ وقد مرّ الكلام فيها ـ لا يتطرق الريب في صحتها ، لبراءة من قد يُتهم بوضعها.
فإن كانوا من أبنائه أو المتزلفين إليهم من شيعة بني العباس ، فهي على خلاف مذاهبهم ومشاربهم ، بل هي حجة لخصومهم عليهم ، فلا يعقل أنّهم وضعوها لتحطيم دعاواهم في استحقاقهم الخلافة!
وأمّا إن كان المتهمون بوضعها هم شيعة الإمام عليّ عليه السلام ، فهي مروية في مصادر أخصامهم من بقية المذاهب الأخرى ، فكيف تسنى لهم اختراق جميع تلك المصادر وتثبيت بصماتهم فيها؟!
بل الصحيح أنّ ابن عباس رضي الله عنه كان معلناً بولائه ، ومجاهداً بلسانه قبل سنانه ، يدلي بما وعاه ورواه في كلّ مجمع يرى فيه نصرة إمامه عليه السلام واجبة عليه ، بعد أن كانت السلطات تعمل على تغييب ذكره وأمره عن أذهان الأمّة ، فجهله كثير من الناس نتيجة الضغط الحاكم ، ورواج أكاذيب مرتزقة السلطان ، فكان ابن عباس الوحيد الذي روي عنه في فضائل الإمام عليه السلام أكثر ممّا روي عن غيره من الصحابة ، لشهرته العلمية ، ومكانته الإجتماعية ، وكثرة الرواة عنه. وفي يقيني أنّ جميع ما وصل إلينا في هذا