فقد تقرر عندهم انه لا يجوز تقدير شيء من غير ضرورة وأي ضرورة إلى تقدير جواب في قولنا ان كان الإنسان ناطقا فالحمار ناهق على ان غيره يغني عنه.
وكل مثال من أمثلة المفهوم الذي يدعى حجيته يحتمل كونه من هذا القبيل وان ادعى هناك قرينة سقط البحث ، ولا يخفى أن النافي يكفيه مثال واحد بحيث يظهر عدم الاطراد فتنتفي الكلية ولا يمكن الاستدلال فكيف لا يقبل من النافي هذه الأمثلة الكثيرة ويقبل من مدعى الإثبات مثال واحد مع ضعف دليله واحتياجه الى القياس وغير ذلك مما ليس هذا محل ذكره وان داعي وجود القرينة في الأمثلة المذكورة على عدم ارادة المفهوم أمكن الخصم ان يدعى وجود القرينة على إرادته في الأمثلة التي قصد فيها المفهوم فيبقى ما لا قرينة فيه أصلا محتملا للأمرين.
ولعل من تتبع حق التتبع يرى ان المواضع التي لم يقصد فيها مفهوم الشرط أكثر مما قصد فيها وعلى تقدير التساوي بل أكثرية القصد فان وجود أمثلة كثيرة لم يقصد فيها كاف في ضعف حجيته نعم لو حصلت قرينة على ارادة المتكلم له فلا شك في اعتباره ولا خلاف فيه حينئذ.
فمن جملة الأمثلة التي لم يقصد فيها مفهوم الشرط قوله تعالى : ( وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلّا مُبْطِلُونَ ) (١) مع انهم كانوا يقولون ذلك ويعتقدونه قبل مجيء الآية.
وقوله تعالى : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) (٢) مع اتباعه واجب على من يحب الله وعلى غيره والفريقان مأموران به.
وقوله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ ) (٣) مع انها لا تنفد مع وجود الشرط وعدمه.
وقوله تعالى : ( وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلّى مُسْتَكْبِراً ) (٤) مع ان المذكور
__________________
(١) الروم ـ ٥٨.
(٢) آل عمران ٣١.
(٣) لقمان ـ ٢٧.
(٤) لقمان ـ ٧.