وثالثها ورابعها قوله عليهالسلام ثم قال له اقبل فأقبل ثم قال وعزتي إلخ فإن لفظة ثم موضوعة للتراخي ولا تراخى هنا بحسب الظاهر.
والجواب أولا ان التراخي غير معلوم الانتفاء إذ يحتمل تخلل زمان طويل أو كلام كثير بين كل واحد من الأمور المذكورة وبين أبعده.
وثانيا : ان ثم تأتي أيضا بمعنى الفاء أى لمجرد التعقيب من غير تراخ كما في قوله جرى في الأنابيب ثم اضطرب
وثالثا : ان التراخي يعتبر في كل مقام بحسبه كما قالوه في التعقيب كما في قولهم تزوج فولد له والأمور العظيمة المهمة تستعمل فيها ثم دون الفاء وان لم يكن تراخ ظاهر لعظم قدرها ينبغي ان تكون في أزمنة متباعدة لقصور الزمان القليل عنها ولو باعتبار والادعاء أو لأنها لكثرة الاحتياج إليها واهميتها وتشوق النفوس الى العلم بها بعد الزمان القصير المتخلل دونها أو بينها طويلا متراخيا عما قبله يشهد بذلك من تتبع كلام الفصحاء وتراكيب البلغاء.
وخامسها : ان الإقبال والأدبار لا يتصوران من العقل بحسب الظاهر ولا تظهر لهما فائدة.
والجواب : انه لا بعد في اتصاف العقل بالإقبال والأدبار بمعنى الذهاب والإياب وكذا النفوس والحواس ونحوها فإنها تذهب وتجيء وتفارق على وجه تصح نسبته إليها ولا ينحصر ذلك فيما يعهد من إقبال الإنسان بوجهه وإعراضه به والغرض في الأمر بالإقبال والأدبار كالغرض في جميع التكاليف من إظهار الانقياد واختبار العباد وبيان امتثال الأمر كما ان من أراد اختبار طاعة عبده يقول له اذهب ثم يقول له ارجع لإظهار الطاعة وإلزام الحجة ولا بعد في ان يخلقه الله تعالى أولا على حالة يمكن اتصافه بالإقبال والأدبار الحقيقيين وقد اعطى الله الجن والملائكة قدرة التشكل بأشكال بنى آدم وغيرهم فلا يبعد ان يعطى الله العقل ذلك ولو في حال الأمر بالإقبال والأدبار على نحو ما مر في الاستنطاق.