وقال في موضع آخر فعليك بإمعان النظر فيما يقال مستفرغا وسعك في رد الاحتمال فاذا تبين لك الوجه فهناك فقل والا فاعتصم بالتوقف فإنه ساحل الهلكة.
وقال بعده بغير فصل : انك مخبر في حال فتواك عن ربك وناطق بلسان شرعه فما أسعدك بأن أخذت بالجزم وما أخيبك ان بنيت على الوهم فاجعل فهمك تلقاء قوله تعالى : ( وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) (١).
فانظر الى قوله تعالى : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ ) (٢).
وأنظر كيف قسم مستند الحكم الى القسمين فيما لم يتحقق الإذن فأنت مفتر « انتهى ».
وفي هذه العبارة والتي قبلها دلالة صريحة على اختيار التوقف وقد اختار وجوب التوقف والاحتياط أيضا صاحب الفوائد المدنية وجماعة من المتقدمين والمتأخرين.
وقال العلامة في التهذيب : ذهب جماعة من الإمامية ومعتزلة بغداد الى تحريم الأشياء التي ليست اضطرارية قبل ورود الشرع وذهب معتزلة البصرة إلى الإباحة « انتهى » ولم ينقل الإباحة عن أحد من الإمامية.
واعلم ان المعاصر قد استدل بآيات.
والجواب عنها إجمالا من وجوه اثنى عشر.
أحدها : أن الأحاديث المتواترة دالة على عدم جواز استنباط الأحكام النظرية من ظواهر القرآن الا بعد معرفة تفسيرها عن الأئمة (ع) وتلك الأحاديث تزيد على مأة وعشرين حديثا مروية في كتب تزيد على سبعين كتابا ولا معارض لها عند التأمل أصلا
__________________
(١) البقرة ـ ١٦٩
(٢) يونس ٩٥