من تركه وأرجح وهذا أعجب وأغرب.
ولقد أكثر التشنيع على من يقول بالتوقف ظنا منه انه يلزمه الجزم بالتحريم وهذا ظن فاسد مع أن القائل بالإباحة قائل باستحباب التوقف والاحتياط : فيرد عليه أكثر تلك التشنيعات بحسب الظاهر لان وجوب التوقف يستلزم وجوب الجزم بالتحريم بزعمه فاستحباب التوقف يستلزم استحباب الجزم بالتحريم وكيف يجتمع مع جزمه بالإباحة وفساد هذا ظاهر وفي الواقع تندفع الاعتراضات عن القائل بالتوقف بعد ملاحظة ما قلناه وما ذكره من حمل أحاديث التوقف على الاستحباب يأتي جوابه إن شاء الله.
واعلم ان الشيخ في كتاب العدة استدل على وجوب التوقف بدليل عقلي وهو دليل وجوب المعرفة فمن قال باستقامته هناك وعدم استقامته هنا خرج عن الإنصاف وهذه عبارة الشيخ قدسسره في العدة قال بعد ما اختار الوقف والذي يدل على ذلك انه قد ثبت في العقول ان الاقدام على ما لا يأمن المكلف كونه قبيحا مثل الاقدام على ما لا يعلم قبحه ألا ترى ان من أقدم على الاخبار بما لا يعلم صحة مخبره جرى في القبح مجرى من أخبر مع علمه بان مخبره على خلاف ما أخبر به على حد واحد وإذا ثبت ذلك وفقدنا الأدلة على حسن هذه الأشياء قطعا فينبغي أن يجوز كونها قبيحة وإذا جوزنا ذلك فيها قبح الاقدام عليها « انتهى » ثم أطال الكلام في دفع ما لعله يرد على هذا الدليل فمن أراد عبارته بتمامها فليرجع الى كتاب العدة فقد بالغ في ذلك.
وأقول : يمكن الاستدلال على وجوب التوقف والاحتياط الان بآيات كثيرة وروايات متواترة ووجوه عقلية ولا فائدة في تحقيق حكم الأشياء قبل ورود الشرع كما عرفت والأدلة الشرعية دالة على ما اخترناه ولا يرد علينا المناقشات السابعة لأنا نستدل بآيات واضحة الدلالة موافقة للأحاديث المتواترة الصريحة فقد علمنا بالكتاب والسنة والعقل والنقل معا وستعرف قوة هذه الأدلة ورجحانها على ما مر إن شاء الله تعالى.