ومنها : ان العقلاء والعلماء اتفقوا على حسن التوقف في الأشياء المذكورة ورجحانه وانما الخلاف في وجوبه واستحبابه وترك فعل المستحب لا مفسدة فيه بخلاف ترك الواجب فتعين التوقف.
فهذه من الوجوه العقلية بعضها يدل على رجحان التوقف مع المنع من النقيض وبعضها على رجحانه لان الوجوب مركب من القيدين فيندفع المناقشة المتجهة على بعضها وإذا جمعت الآيات والروايات وهذه الوجوه تم الدليل والله الهادي إلى سواء السبيل.
فان قلت : الخلاف في أصالة الإباحة مخصوص بما قبل ورود الشرع وأما بعده فلا خلاف فيها فان الشيخ في العدة استدل من جانب القائل بالإباحة بقوله تعالى ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ ) وأجاب بأنا لا نمنع ان يدل الدليل السمعي على ان الأشياء على الإباحة بعد أن كانت على الوقف بل عندنا ان الأمر على ذلك واليه نذهب انتهى.
قلت : الإجماع ممنوع بل كثير من المتقدمين والمتأخرين يصرحون بخلاف ذلك وعبارة الشيخ لا اشعار لها بدعوى الإجماع ومعلوم ان الشيخ يقول بالإباحة بعد ورود الشرع في الأشياء التي ورد فيها النص بالإباحة لا الأشياء التي ورد النص فيها بالتحريم ولا الأشياء التي ورد النص فيها بالتوقف أعنى الشبهات ، وتصريحاته وتصريحات غيره بما قلناه كثيرة.
الا ترى أنه قال في ترجيح الاخبار ما حاصله ان من قال بأصالة الإباحة يرجح خبر الإباحة عند التعارض ومن قال بأصالة التحريم يرجح حديث التحريم ونحن نقول بالوقف فلا ترجيح عندنا ومعلوم ان ترجيح حديث التحريم ونحن نقول بالوقف فلا ترجيح عندنا ومعلوم ان ترجيح الاخبار بعد ورود الشرع لا قبله ويعلم من هنا ان من قال بالإباحة والحظر أو الوقف قبل ورود الشرع قائل بذلك القول بعينه بعد ورود الشرع في محله لكن لا مطلقا ، بل في مسئلة لم يرد فيها شرع فان ورود الشرع في مسئلة أخرى غير المسئلة المتنازع فيها لا فائدة فيه.