عبادته تعالى من كل أحد وله شواهد ليس هذا محل إيرادها وهذا الوجه قريب ويزيده قربا ما هو معلوم من ان كل من زادت معرفته بالله زاد خوفه منه ورجاؤه له وعبادته إياه البتة كما ان من عرف الأسد أو الملك أو نحوهما كذلك وله شواهد كثيرة من الكتاب والسنة كقوله تعالى ( إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) وقوله عليهالسلام : من عرف الله وعظمه منع فاه من الكلام وبطنه من الطعام وعنا نفسه بالصيام والقيام (١) الى غير ذلك مما هو كثير وفيه ردّ على الصوفية في هذا المقام كما لا يخفى.
وسادسها : ان يكون المراد كل من عرف الله لم يعبده حق العبادة فيبقى العام على عمومه وبين هذا الوجه والذي قبله فرق ظاهر وهذا أيضا قريب.
وسابعها : ان يكون من اسم استفهام والاستفهام إنكاريا فيصير المعنى اىّ شخص عرف الحق ولم يعبد الحق ويكون الحق من أسمائه تعالى في الموضعين اى ولم يعبد مسمى هذا الاسم وحذف الواو هنا غير ضائر وان كان إثباته أكثر ونظير هذا التركيب قول المتنبي : أي يوم سررتني بوصال. لم ترعني ثلاثة بصدود (٢) وهذا أيضا وجه قريب وفيه إشارة الى ان من ترك العبادة مع معرفته فهو خارج عن حقيقة المعرفة المطلوبة منه أو عن كمالها أو كأنه لم يعرف لعدم عمله بمقتضاها والاستفهام الإنكاري يقتضي نفى متعلقة والكلام هنا مقيد ويجب رجوع النفي في مثله الى القيد وهو منفي فيلزم إثباته لأن نفى النفي إثبات فالمعنى كل من عرف الحق وعمل بمقتضى المعرفة عبد الحق.
وثامنها : أن يكون من اسما موصولا عبارة عن الله سبحانه فإنه هو الذي عرف حقائق الأشياء كلها على ما هي عليه دون غيره فان معرفته مشوبة بالجهل فيكون حاصل المعنى ان الذي عرف حقائق الأشياء كلها هو الخالق المعبود لا المخلوق العابد.
__________________
(١) أخرجه في الوسائل ج ١ في باب تأكد استحباب الجد والاجتهاد في العبادة ح ١٢
(٢) راجع ديوان المتنى ص ٢٠ صادر بيروت