ثمّ إنّهم عرّفوه شرعا بتعريفات غير خالية عن النقض. وهو في عرف الشرع يستعمل في معنيين :
أحدهما : الحكم الخاص بين الناس على نحو مخصوص.
والآخر : ولاية ذلك الحكم وهو المعبّر عنه في العرف بالحكومة وهو المناسب لما يقولون من أنّ وظيفة القاضي أن ينادي كذا ، ويأخذ كاتبا كذا ، ومترجما كذا ، إلى آخر ما قالوا.
قوله : وهو واجب كفاية.
أي : هو في الأصل كذلك ، لأنّ المطلوب منه تحقّق هذه الماهيّة من أي شخص كان ممّن يصلح له كما هو شأن الواجبات الكفائية.
فلا يرد : أنّهم صرّحوا بوجوبه عينا على من انحصر الصلاحيّة فيه ، فإن المراد : الكفاية الاصلية الغير المنافية للعينيّة العارضة بالانحصار.
قوله : في حقّ الصالحين.
المراد بالصالحين له : العالمون بالأحكام ، العادلون وإن لم ينصبه الإمام بعد في حال الحضور أي : الصالحون للقضاء ولو احتاج فعليته إلى أمر آخر ، فلا خدشة في الاستثناء من حيث إنّ مع الحضور لا يصلح له إلّا الإمام أو نائبه الخاص ، فالمراد : أنّه يجب على العالمين العادلين كفاية ، وإن احتاج القيام به إلى شرط آخر واجب التحصيل ، فيجب تحصيل شرطه أيضا كما في صلاة الميّت بالنسبة إلى إذن الولى.
فإن قيل : لا يخلو في حال الحضور إمّا أذن الإمام لأحد أو لم يأذن ، فعلى الأوّل يجب عينا ، وعلى الثاني يحرم ، فأين الواجب الكفائي حتى يصحّ الاستثناء فيه.
قلنا : حال الحضور لا يخلو عن خمس صور ؛ لأنّ الصالح إمّا واحد ، أو متعدّد. وعلى الأوّل فإمّا يعيّنه الإمام ، أو لا يعيّنه لعدم اطّلاعه على صلاحيته. وأمّا عدم تعيينه مع علمه بالصلاحيّة فلا يمكن تحقّقه ؛ إذ يجب التعيين حينئذ على الإمام ، ولا يترك الواجب عليه. وعلى الثاني فإمّا يعيّن الامام واحدا بعينه منهم فهو أيضا يدلّ على عدم صلاحيّة الغير [ لان الامام ] لا يوجب ما لا يجب كما ذكره المحقّق ؛ ردّا على قول الشيخ في الخلاف ، فإذا