ونحن ما رأينا هذا في تاريخه (١) ، وإنْ كان في تاريخه فلا اعتداد به ؛ لأنّه من الواقعات العظيمة المشهورة ، وفي أمثال هذا لا يُكتفى برواية واحد لم يوافقه أحد ، وأهل الحديث يحكمون بأنّ هذا منكَر شاذّ ؛ لأنّ الوقائع العظيمة يتوفّر الدواعي إلى نقلها وحكايتها.
فإذا نقل مثل هذه الواقعة أحدٌ من الناس ، أو جماعة من المجهولين المتعصّبين ، فهي غير مقبولة عند أهل الحديث.
السابع : إنّه ينافي هذا رواية الصحاح ؛ فإنّ أرباب الصحاح ذكروا في بيعة عليّ لأبي بكر ، أنّ بني هاشم لم يبايعوا أبا بكر إلاّ بعد وفاة فاطمة ، ولم يتعرّض أبو بكر لهم وتركهم على حالهم ، وكانوا يتردّدون عند أبي بكر ويدخلون في المشاورات والمصالح والمهمّات وتدبير الجيوش ، فلمّا توفّيت فاطمة بعث أمير المؤمنين على أبي بكر وقال : ائتني وحدك! فجاءه أبو بكر في بيته ، فجلسا وتحدّثا ، ثمّ قال عليّ لأبي بكر : إنّك استأثرت هذا الأمر دوننا ، ما كنّا نمنعك عن هذا الأمر ، ولا نحن نراك غير أهل لهذا ، ولكن كان ينبغي أن تؤخّره إلى حضورنا.
فقال أبو بكر : يا أبا الحسن! كان الأنصار يدّعون هذا الأمر لأنفسهم ، وكانوا يريدون أن ينصبوا أميراً منهم ، وكان يُخاف منهم الفتنة ، فتسارعت إلى إطفاء الفتنة وأخذت بيعة الأنصار ، وإن كان لك في هذا الأمر رغبةٌ فأنا أخطب الناس وأُقيل بيعتهم ، وأُبايعك والناس.
فقال أمير المؤمنين : الموعد بيني وبينك بعد صلاة الظهر.
فلمّا صلّوا الظهر رقى أبو بكر المنبر وقال : «أقيلوني فلستُ بخيركم
__________________
(١) راجع ما تقدّم في الصفحة ١٣٢ هـ ٣ ، من هذا الجزء.