نسبة الهذيان إلى النبيّ!
وليت شعري ، ما عسى أن يفعل المنافقون ـ وهم الأقلّون ـ أكثر من ذلك لمجرّد كتابة النبيّ ما لا يفهمونه.
على أنّه كيف يُتصوّر أن يصف النبيّ كتابه بأنّهم لا يضلّون بعده أبداً ، ثمّ يكتب ما لا يُفهم فيسبب به الاختلاف والضلال على خلاف ما ضَمِنه كتابه؟!
فهل تجويز هذه الكتابة إلاّ تجويز للهجر بوجه آخر؟!
مضافاً إلى أنّ عمر لو كان قاصداً لذلك ، لكان الواجب عليه أنّ يُنبّه النبيّ بعبارة جميلة طالباً فيها توضيح مقصوده ، لا أنّه يمنعه عن أصل الكتاب الرافع للضلال إلى آخر الأبد.
وأيضاً : فقد زعم القوم عدالة الصحابة كلّهم واقعاً إلاّ النادر الخفيّ الحال من المنافقين ، فمن أين يقع الاختلاف بين المسلمين العدول بسبب عدم فهم القليلين المنافقين للكتاب؟!
وما أدري إذا كان الأمر على ما قاله ذلك البعض ، فما الذي أبكى ابن عبّاس حتّى بلّت دموعه الحصباء ، وعدّه الرزيّة كلّ الرزيّة؟!
ألم يكن له عِلم بمقصود عمر ، كما علمه هذا البعض بعد حين ، فيسترّ لهذه المقاصد الشريفة؟!
وأمّا ما زعمه الخصم من أنّ عمر كان يقول للنبيّ : إفعل ولا تفعل ..
فهو كذبٌ وإزراءٌ بحقّ سيّد المرسلين وشأن الرسالة ، كما سبق (١).
ولو سُلّم ، فإنّما يجوز ذلك في مقام الاستشارة ، لا في مقام يقضي
__________________
(١) راجع الصفحات ٦٤ ـ ٦٥ و ١٦٥ ـ ١٧٠ ، من هذا الجزء.