الفرْطة (١) ؛ إذ بدّلوا في بعض أخبارهم لفظ «الهجر» بقولهم : «غلبه الوجع» (٢) ؛ فإنّ النتيجة بهما واحدة ؛ وهي إثبات الهذيان للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، حاشاه (٣)!
وأما ما نسبه إلى بعض علمائهم من أنّ عمر خاف أن يكتب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ما لا يفهمه المنافقون ، فيقع الاختلاف بين المسلمين ؛ فهو أشبه باللغو ؛ إذ كيف يقع ـ بسبب عدم فهم المنافقين لمراد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ الاختلاف بين المسلمين الّذين يفهمون مراده ، ويعتقدون أنّ ما يكتبه رافعٌ للضلال أبداً.
مع أنّ عمر ـ على هذا ـ قد دفع القبيح بالأقبح ؛ لأنّه خاف الاختلاف فأوقعه بالمخالفة للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على أوحش وجه وأكذبه ؛ وهو
__________________
(١) الفرْطةُ : اسمٌ للخروج والسبق والتقدّم ومجاوزة الحدّ ؛ انظر : لسان العرب ١٠ / ٢٣٥ مادّة «فرط».
والمراد هنا ما ارتكبوه واجترحوه من جريرة وكبيرة بإساءة الأدب مع الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).
(٢) انظر : صحيح البخاري ١ / ٦٥ ـ ٦٦ ح ٥٥ وج ٦ / ٢٩ ح ٤٢٣ وج ٧ / ٢١٩ ح ٣٠ وج ٩ / ٢٠٠ ح ١٣٤ ، صحيح مسلم ٥ / ٧٦ ، مسند أحمد ١ / ٣٢٤ ـ ٣٢٥ و ٣٣٦ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٢ / ١٨٨ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٨ / ٢٠١ ح ٦٥٦٣ ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ١٢ ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى ٢ / ١٩٢ ، الوفا بأحوال المصطفى : ٧٩٤ ح ١٤٦٤ ، الاكتفاء ـ للكلاعي ـ ٢ / ٤٢٧ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٦ / ٥١ ، البداية والنهاية ٥ / ١٧٣ أحداث سنة ١١ هـ ، الرحيق المختوم : ٤٢٨ ، سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٢٤٧.
(٣) قال ابن حجر في فتح الباري ٨ / ١٦٨ ملخّصاً كلام القرطبي : «الهُجرُ ـ بالضمّ ثمّ السكون ـ : الهَذَيان ، والمراد به هنا ما يقع من كلام المريض الذي لا ينتظم ولا يُعتدّ به لعدم فائدته ؛ ووقوع ذلك من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مستحيل ؛ لأنّه معصوم في صحّته ومرضه ؛ لقوله تعالى : (وما ينطق عن الهوى) ، ولقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (إنّي لا أقول في الغضب والرضا إلاّ حقاً)».