(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيَرَةُ مِن أمرهم) (١) ..
فإنّ هذه الآيات أطلقت وجوب طاعته والأخذ منه ، ومنعت من مخالفة مطلق ما قضى به.
ومن الواضح : أنّ صدور الهجر يستدعي خلاف ذلك الوجوب والمنع ، وينافي ذلك الإطلاق.
ولقوله تعالى : (إنْ هو إلاّ وحيٌ يُوحى) (٢) ..
فإنّه دالٌّ على أنّ كلّ ما ينطق به من أمر أو منع إنّما هو عن وحي الله تعالى ، وهو لا يجامع الهجر.
ولقوله تعالى : (إنّه لَقولُ رسول كريم) إلى قوله : (ثَمّ أمين * وما صاحبكم بمجنون) (٣) ..
فإنّه ناف للهجر عنه ؛ لأنّ من جاز عليه الهجر ، لم يكن أميناً ، ومَن وقع منه الهجر ، كان مجنوناً ؛ لأنّ الجنون حالة في الإنسان يُستر فيها عقلُه.
غاية الأمر : أنّ من يهجر في حالة خاصّة ليس جنونُه مستحكماً.
ولو سُلّم أنّ الهجر هو الهذيان الحاصل من غير الجنون ـ كما هو الأقرب ـ فهو بحكمه ؛ لأنّ المقصود بالآية ليس هو نفي الجنون من حيث هو ، بل لِما يترتّب عليه من الهذيان ، فينتفي عن النبيّ كلّ هذيان.
وممّا ذكرنا يُعلم أنّه لا فائدة في ما قصدوا به إصلاح هذه
__________________
(١) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٦.
(٢) سورة النجم ٥٣ : ٤.
(٣) سورة التكوير ٨١ : ١٩ ـ ٢٢.