فلا بُد أن يكون عمله ـ وهو سيّد الحكماء ـ عن حكمة تامة ، وغرض أعظم من رئاسة ذلك الجيش ، وهو التنبيه على عدم أهليّتهم للإمامة والخلافة ، وأنّهم أتباع لا متبوعون ، حتّى لعن المتخلّف ؛ كشفاً عن نفاقهم وأنّهم ينقلبون على أعقابهم ، كما ذكره سبحانه في كتابه
__________________
ولأُسامة الإذن ، وقد أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بخروج الجيش ، ولعن من تخلّف عنه؟! فمَن تخلّف ـ والحال هذه ـ لا يستحقّ الإمامة ..
كما إنّ بقاءه تحت إمرة أُسامة ـ كبقيّة الجيش ـ ناف لإمامته له ، بل وللجيش كلّه ؛ ولذا احتاج إلى الاستئذان من أُسامة في تخلّف عمر!
ولو سُلّم أنّه استأذن من أُسامة ، وأنّ له عذراً في التخلّف بارتداد العرب والحاجة إليه في البقاء ، فالكلام لا يختصّ بتخلّفه بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بل يعمّ تخلّفه في حياته ، وهو مما لا يتأتّى فيه العذر المذكور.
والحق أنّه لا يصحّ أن يكون عذراً حتّى بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ لإمكان أن يخلّفَ أبو بكر مَن يقوم مقامه ، لا سيّما ولم يرتد العرب على الصحيح ، وإنّما كان في حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قومٌ آمنوا بمسيلمة وطليحة ، وهم لم يستوجبوا امتناع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من بعث أُسامة ؛ إذ يكفيهم القليل من المسلمين كما وقع في حربهم.
فاللازم أن لا يمنعوا أبا بكر من امتثال أمر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في المسير بجيش أُسامة!
ومن المضحك قوله : «لم يكن ملائماً لأمر الإسلام أن يذهب الخليفة بنفسه» [المتقدّم آنفاً في الصفحة ١٦] ، فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يخرج بنفسه في الغزوات ، فكيف لا يلائم أن يذهب أبو بكر بنفسه؟!
هذا ، ولا يخفى أنّ تأمير النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أُسامة على أبي بكر وعمر وعثمان وأبي عبيدة وأمثالهم ، شاهد صدق على انحطاط منازلهم عنه ، ولو في سياسة الجيش وإمرته.
وبالضرورة : إنّ من انحطّت منزلته عن الصبيّ الغرّ ـ ولو في إمرة الجيش ـ لا يمكن أن يصلح للإمامة والزعامة الكبرى ، ولا شكّ أنّ هذا من أوضح مقاصد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).
منه (قدس سره).