فإذا صدرت منه هذه الأُمور في حقّ سيّد المرسلين في حياته مواجهةً ، فكيف يُستبعد منه نحوه في حقّ أبي بكر بعد موته حتّى يلزم تأويل كلامه بما لا يتحمله اللفظ؟!
ومجرّد تفرّع خلافته عن خلافته لا يمنع من طعنه بها بعدما صار سلطاناً يُخشى ويُرجى ويمتنع عزله عادة ، ولا سيّما أنّ ما قاله معلوم للسامعين ، ووجوههم شركاؤه في هذه الفلتة.
فلا يستبعد منه أن يطعن بخلافة أبي بكر ؛ حذراً من أن تقع البيعة بعده لمن يكره بيعته ، وهو عليٌّ (عليه السلام) ، كما طعن برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالهجر ؛ لهذه العلّة!
نقل ابن أبي الحديد ـ بعد ذكر الخطبة المذكورة ـ ، عن الجاحظ ، أنّه قال : «إنّ الرجلَ الذي قال : لو قد مات عمر لبايعت فلاناً ، عمّارُ بن ياسر ؛ قال : لو قد مات عمر بايعتُ عليا (عليه السلام).
فهذا القول هو الذي هاج عمر أن خطب بما خطب به» (١).
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٥.
نقول : وفي أنساب الأشراف ٢ / ٢٦١ بإسناد قويّ ـ ونقله عنه ابن حجر في هدي الساري مقدّمة فتح الباري : ٤٩٣ ، والقسطلاني في إرشاد الساري ١٤ / ٢٧٩ ـ أنّ القائل هو الزبير ..
وسواء كان القائل عمّاراً أو الزبير ، فإنّ ذلك يفيد أنّ أصحاب أمير المؤمنين الإمام عليّ (عليه السلام) كانوا يستعدّون لبيعته بمجرّد موت عمر ، آسفين على تضييعهم ذلك في خلافة أبي بكر ، مصمّمين على عدم تكرّر ذلك التقصير منهم.
ومن ذلك يظهر معنى كلمة «فلتة» ، وهذا هو الذي حمل عمر على طرح فكرة الشورى ليصرفها عن عليّ (عليه السلام) ، وهاجه أن خطب بما خطب به كما قال ابن أبي الحديد.
وراجع ما سيأتي في قصة الشورى ، الصفحة ٣٣٩ هـ ١ ، من هذا الجزء.