ولو أعرضنا عن ذلك ، فقد كان يمكنهم منع بيعة الأنصار والاختلاف الناشئ منها بأن يقول عمر : لا تجوز البيعة من دون مشورة المسلمين ؛ لأنّها فلتةٌ يُخاف شرُّها ، فانتظروا ريثما نفرغ من جهاز النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ويجتمع المسلمون ، فإنّ لهم حقاً في الرأي.
أترى أنّ ذلك لا يُرضي الأنصار ، ولم يكن أقرّ لعيونهم من بيعة أبي بكر رغماً على سعد وقومه؟!
بل تأخيرها إلى الاجتماع هو المتعيّن ؛ لأنّ مسارعتهم إلى بيعة أبي بكر في حال طلب الأنصار بيعة سعد أَوْلى بخوف الفتنة وذهاب الإسلام.
ثمّ إنّ ما ذكره الخصم من زيغ القلوب عن الإسلام ، لا وجه له ؛ لأنّ مَن حضر المدينة عدول كلّهم عند السنة ، ومَن لم يحضرها لم تُعلم حالهم عند وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والقسم الوافر منهم من الصحابة ، وهم عدول ..
فمن أين عَلِمَ الشيخان زيغ القلوب حتّى ينشأ من الاختلاف حينئذ ذهابُ الإسلام؟!
ولو تنزّلنا عن ذلك كلّه وقلنا بصحّة مسارعة عمر لبيعة أبي بكر ، فنهيه عن البيعة بعد موته من دون مشورة المسلمين خطأ ؛ لأنّ الحاجة حينئذ إلى المسارعة أشد ؛ لكثرة المسلمين ، وعدم تيسر اتّفاق آرائهم أو رؤسائهم ، فإذا وقعت البيعة لواحد وجب إتمامها على مذهب السنة ؛ لقولهم بانعقاد البيعة وثبوت الإمامة ولو بالواحد والاثنين (١).
ومنه تعلم أنّ إيجابَ عمرَ لضربِ عنقِ مَن يبايع فلتةٌ أُخرى ،
__________________
(١) انظر : تمهيد الأوائل : ٤٦٧ ـ ٤٦٨ ، غياث الأُمم : ٨٥ ـ ٨٩ ، المواقف : ٤٠٠ ، شرح المواقف ٨ / ٣٥٢.
وراجع : ج ٤ / ٢٦٠ وما بعدها ، من هذا الكتاب.