لكن الدنيا أقبلت عليهم ، وجرت المقاديرُ باستيلائهم ، فحسب بعضُ الناس أنّ ذلك من سياستهم ، وكان بعضهم ـ كمعاوية ـ صاحبَ مكر وخديعة وحيلة ، فتخيّل أولياؤهم أنّ لهم رشداً.
ولو سُلّم أنّهم كانوا كذلك ، فلا ريبَ أنّ عثمان لم يقدِّمهم لرشدهم ونجابتهم ؛ لوجود مَن هو أرشد وأنجب وأعلم بالسياسة منهم في صحابة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولو كان الداعي له هو ذلك ، لجعلهم في البلاد البعيدة الواقعة في الثغور ، المحتاجة لذوي القوّة والرشد والسياسة ، لا في البلاد الآمنة المطمئنّة حتّى ألحقوا بها الفتن ، وألحقوا بها العناءَ ، وشوّهوا وجه الإسلام.
ولا أدري من أين عرف عثمانُ رُشدَ عبد الله بن عامر (١) وعِلمَه بالسياسة ، حتّى جمع له بين كور البصرة وفارس وهو ابنُ أربع أو خمس وعشرينَ سنةً ، لم يتولّ شيئاً من الولايات قبلها (٢)؟!
__________________
(١) هو : عبد الله بن عامر بن كرَيز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس العبشمي ، ابن خال عثمان بن عفّان ، وُلد عام الحديبية ، توفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعمره خمس أو ستّ سنين ، وليَ البصرة لعثمان سنة ٢٩ هـ حتّى قُتل عثمان ، فشهد حرب الجمل ضدّ أمير المؤمنين الإمام عليّ (عليه السلام) ، ثمّ وفدَ على معاوية فزوّجه بابنته هند ، وولاّه البصرةَ ثلاث سنين ، توفّي قبل معاوية في سنة ٥٩ هـ.
انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٥ / ٣٢ رقم ٦١٨ ، معجم الصحابة ـ لابن قانع ـ ٩ / ٣٣٠٩ رقم ٥٨٦ ، معرفة الصحابة ـ لأبي نُعيم ـ ٣ / ١٧٣٢ رقم ١٧٠٩ ، الاستيعاب ٣ / ٩٣١ رقم ١٥٨٧ ، أُسد الغابة ٣ / ١٨٤ رقم ٣٠٣١ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ١٨ رقم ٦ ، تاريخ الإسلام ٢ / ١١٦.
(٢) انظر : تاريخ الطبري ٢ / ٦٠٤ حوادث سنة ٢٩ هـ ، الاستيعاب ٣ / ٩٣٣ ، أُسد الغابة ٣ / ١٨٤ رقم ٣٠٣١.